[ ص: 272 ] قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يزن عند الله جناح بعوضة ) أي : لا يعدله في القدر والمنزلة ، أي : لا قدر له .
وفيه : ذم السمن .
و ( الحبر ) بفتح الحاء وكسرها ، والفتح أفصح وهو العالم .
قوله : ( إن الله يمسك السماوات على أصبع والأرضين على أصبع . . . إلى قوله : ثم يهزهن ) هذا من أحاديث الصفات ، وقد سبق فيها المذهبان : التأويل والإمساك عنه ، مع الإيمان بها ، مع اعتقاد أن الظاهر منها غير مراد ، فعلى قول المتأولين يتأولون الأصابع هنا على الاقتدار أي : خلقها مع عظمها بلا تعب ولا ملل ، والناس يذكرون الإصبع في مثل هذا للمبالغة والاحتقار ، فيقول أحدهم : بأصبعي أقتل زيدا ، [ ص: 273 ] أي : لا كلفة علي في قتله ، وقيل : يحتمل أن المراد أصابع بعض مخلوقاته ، وهذا غير ممتنع ، والمقصود : أن يد الجارحة مستحيلة .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( nindex.php?page=hadith&LINKID=3507555يطوي الله السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ، ثم يطوي الأرضين [ ص: 274 ] بشماله ) وفي رواية : ( أن ابن مقسم نظر إلى ابن عمر كيف يحكي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=3507556يأخذ الله سمواته وأرضيه بيديه ، ويقول : أنا الله ، ويقبض أصابعه ويبسطها ، أنا الملك ، حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شيء منه ) ، قال العلماء : المراد بقوله : ( يقبض أصابعه ويبسطها ) النبي صلى الله عليه وسلم ، ولهذا قال : إن ابن مقسم نظر إلى ابن عمر كيف يحكي رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وأما إطلاق اليدين لله تعالى فمتأول على القدرة ، وكنى عن ذلك باليدين ، لأن أفعالنا تقع باليدين ، فخوطبنا بما نفهمه ، ليكون أوضح وأوكد في النفوس ، وذكر اليمين والشمال حتى يتم المثال ، لأنا نتناول باليمين ما نكرمه ، وبالشمال ما دونه ولأن اليمين في حقنا يقوى لما لا يقوى له الشمال ، ومعلوم أن السموات أعظم من الأرض ، فأضافها إلى اليمين ، والأرضين إلى الشمال ، ليظهر التقريب في الاستعارة ، وإن كان الله سبحانه وتعالى لا يوصف بأن شيئا أخف عليه من شيء ، ولا أثقل من شيء ، هذا مختصر كلام المازري في هذا . قال القاضي : وفي هذا الحديث ثلاثة ألفاظ : يقبض ، ويطوي ، ويأخذ كله بمعنى الجمع لأن السماوات مبسوطة ، والأرضين مدحوة ، وممدودة ، ثم يرجع ذلك إلى معنى الرفع والإزالة وتبديل الأرض غير الأرض والسموات فعاد كله إلى ضم بعضها إلى بعض ورفعها وتبديلها بغيرها ، قال : وقبض النبي صلى الله عليه وسلم أصابعه وبسطها تمثيل لقبض هذه المخلوقات وجمعها بعد بسطها ، وحكاية للمبسوط والمقبوض ، وهو السماوات والأرضون ، لا إشارة إلى القبض والبسط الذي هو صفة القابض والباسط سبحانه وتعالى ، ولا تمثيل لصفة الله تعالى السمعية المسماة باليد التي ليست بجارحة .
[ ص: 275 ] وقوله : في المنبر ( يتحرك من أسفل شيء منه ) أي : من أسفله إلى أعلاه لأن بحركة الأسفل يتحرك الأعلى ويحتمل أن تحركه بحركة النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الإشارة ، قال القاضي : ويحتمل أن يكون بنفسه هيبة لسمعه كما حن الجذع ثم قال : والله أعلم بمراد نبيه صلى الله عليه وسلم فيما ورد في هذه الأحاديث من مشكل ، ونحن نؤمن بالله تعالى وصفاته ، ولا نشبه شيئا به ، ولا نشبهه بشيء ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت عنه ، فهو حق وصدق ، فما أدركنا علمه فبفضل الله تعالى ، وما خفي علينا آمنا به ووكلنا علمه إليه سبحانه وتعالى ، وحملنا لفظه على ما احتمل في لسان العرب الذي خوطبنا به ، ولم نقطع على أحد معنييه بعد تنزيهه سبحانه عن ظاهره الذي لا يليق به سبحانه وتعالى . وبالله التوفيق .
قوله : ( والشجر والثرى على إصبع ) الثرى هو التراب الندي .