[ ص: 4 ] ( يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ) زاد مسلم من رواية منصور عن عمرو " عشاء الآخرة " فكأن العشاء هي التي كان يواظب فيها على الصلاة مرتين ( ثم يرجع فيؤمنا ) في رواية منصور المذكورة " فيصلي بهم تلك الصلاة " nindex.php?page=showalam&ids=12070وللبخاري في الأدب " فيصلي بهم الصلاة " أي المذكورة . وفي هذا رد على من زعم أن المراد أن الصلاة التي كان يصليها مع النبي - صلى الله عليه وسلم - غير الصلاة التي يصليها بقومه ( قال ) جابر : ( ثم يرجع فيصلي بقومه ) وفي بعض الروايات " ثم يرجع إلى بني سلمة فيصليها بهم " ولا منافاة بين هذه الروايات لأن قومه هم بنو سلمة nindex.php?page=showalam&ids=36وجابر بن عبد الله منهم ( فقرأ البقرة ) أي ابتدأ في قراءتها ، وبه صرح مسلم ولفظه " فافتتح سورة البقرة " ( فاعتزل رجل من القوم ) ولابن عيينة عند مسلم " فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده " وهو ظاهر في أنه قطع الصلاة ، لكن ذكر nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي أن nindex.php?page=showalam&ids=16984محمد بن عباد شيخ مسلم تفرد عن ابن عيينة بقوله " ثم سلم " ، وأن الحفاظ من أصحاب ابن عيينة ، وكذا من أصحاب شيخه nindex.php?page=showalam&ids=16666عمرو بن دينار وكذا من أصحاب جابر لم يذكروا السلام ، وكأنه فهم أن هذه اللفظة تدل على أن الرجل قطع الصلاة ، لأن السلام يتحلل به من الصلاة ، وسائر الروايات تدل على أنه قطع القدوة فقط ولم يخرج من الصلاة بل استمر فيها منفردا . قال الرافعي في شرح المسند في الكلام على رواية nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي عن ابن عيينة في هذا الحديث : فتنحى رجل من خلفه فصلى وحده ، وهذا يحتمل من جهة اللفظ أنه قطع الصلاة وتنحى عن موضع صلاته واستأنفها لنفسه ، لكنه غير محمول عليه ، لأن الفرض لا يقطع بعد الشروع فيه . انتهى . ولهذا استدل به الشافعية على أن للمأموم أن يقطع القدوة ويتم صلاته منفردا . ونازع النووي فيه فقال : لا دلالة فيه لأنه ليس فيه أنه فارقه وبنى على صلاته ، بل في الرواية التي فيها أنه سلم دليل على أنه قطع الصلاة من أصلها ثم استأنفها ، فيدل على جواز قطع الصلاة وإبطالها لعذر . قاله الحافظ في الفتح .
[ ص: 5 ] ( فقيل : نافقت يا فلان؟ ) همزة الاستفهام محذوفة . وفي رواية الصحيحين " فقالوا له : أنافقت يا فلان؟ " أي أفعلت ما فعله المنافق من الميل والانحراف عن الجماعة والتخفيف في الصلاة . قالوه تشديدا له . قاله الطيبي .
( أصحاب نواضح ) جمع ناضحة أنثى ناضح وهي الإبل التي يستقى عليها للشجر والزراعة ( ونعمل بأيدينا ) أراد أنا أصحاب عمل وتعب فلا نستطيع تطويل الصلاة ( أفتان أنت! أفتان أنت! ) أي أمنفر وموقع للناس في الفتنة . قال الطيبي : استفهام على سبيل التوبيخ وتنبيه على كراهة صنعه لأدائه إلى مفارقة الرجل الجماعة فافتتن به . في شرح السنة : الفتنة صرف الناس عن الدين وحملهم على الضلالة قال تعالى ما أنتم عليه بفاتنين أي : بمضلين . انتهى وقال الحافظ : ومعنى الفتنة هاهنا أن التطويل يكون سببا لخروجهم من الصلاة وللتكره للصلاة في الجماعة . وروى nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في الشعب بإسناد صحيح أن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر قال : " لا تبغضوا إلى الله عباده يكون أحدكم إماما فيطول على القوم الصلاة حتى يبغض إليهم ما هم فيه " وقال الداودي : يحتمل أن يريد بقوله : فتان أي معذب لأنه عذبهم بالتطويل ومنه قوله تعالى إن الذين فتنوا المؤمنين قيل : معناه عذبوهم انتهى . ( قال أبو الزبير : سبح اسم ربك الأعلى والليل إذا يغشى فذكرنا nindex.php?page=showalam&ids=16705لعمرو ) أي : ابن دينار ( أراه ) بضم الهمزة معناه أظنه . وفي رواية مسلم قال سفيان فقلت لعمرو : إن أبا الزبير حدثنا عن جابر أنه قال : اقرأ والشمس وضحاها ، والليل إذا يغشى ، وسبح اسم ربك الأعلى . فقال عمرو نحو هذا . وفي رواية الليث عن nindex.php?page=showalam&ids=11862أبي الزبير عند مسلم مع الثلاثة اقرأ باسم ربك : زاد nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن nindex.php?page=showalam&ids=11862أبي الزبير والضحى أخرجه عبد الرزاق . وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=14171الحميدي عن ابن عيينة مع الثلاثة الأول والسماء ذات البروج ، والسماء والطارق قاله الحافظ .
واستدل بهذا الحديث على صحة اقتداء المفترض بالمتنفل بناء على أن معاذا كان ينوي بالأولى الفرض وبالثانية النفل ، ويدل عليه ما رواه عبد الرزاق nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=14695والطحاوي nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني وغيرهم من طريق nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن nindex.php?page=showalam&ids=16666عمرو بن دينار عن جابر في حديث الباب زاد " هي له تطوع ولهم فريضة " وهو حديث صحيح .
وقد صرح nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج [ ص: 6 ] في رواية عبد الرزاق بسماعه فيه فانتفت تهمة تدليسه . فقول nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي : إنه لا يصح مردود ، وتعليل nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي له بأن ابن عيينة ساقه عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر وأتم من سياق nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ولم يذكر هذه الزيادة ليس بقادح في صحته ؛ لأن nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج أسن وأجل من ابن عيينة وأقدم أخذا عن عمرو منه ، ولو لم يكن كذلك فهي زيادة من ثقة حافظ ليست منافية لرواية من هو أحفظ منه ولا أكثر عددا فلا معنى للتوقف في الحكم بصحتها .
وأما رد nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي لها باحتمال أن تكون مدرجة فجوابه أن الأصل عدم الإدراج حتى يثبت التفصيل فمهما كان مضموما إلى الحديث فهو منه ولا سيما إذا روي من وجهين والأمر هنا كذلك ، فإن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أخرجها من وجه آخر عن جابر متابعا nindex.php?page=showalam&ids=16705لعمرو بن دينار عنه ، وقول nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي : هو ظن من جابر مردود لأن جابرا كان ممن يصلي مع معاذ فهو محمول على أنه سمع ذلك منه ، ولا يظن بجابر أنه يخبر عن شخص بأمر غير مشاهد إلا بأن يكون ذلك الشخص أطلعه عليه . وأما احتجاج أصحابنا لذلك بقوله صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=3507811إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة فليس بجيد لأن حاصله النهي عن التلبس بصلاة غير التي أقيمت من غير تعرض لنية فرض أو نفل ، ولو تعينت نية الفريضة لامتنع على معاذ أن يصلي الثانية بقومه لأنها ليست حينئذ فرضا له . وكذلك قول بعض أصحابنا لا يظن بمعاذ أن يترك فضيلة الفرض خلف أفضل الأئمة في المسجد الذي هو من أفضل المساجد فإنه وإن كان فيه نوع ترجيح لكن للمخالف أن يقول إذا كان ذلك بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يمتنع أن يحصل له الفضل بالاتباع . وكذلك قول nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : إن العشاء في قوله : كان يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - العشاء حقيقة في المفروضة فلا يقال كان ينوي بها التطوع لأن لمخالفه أن يقول هذا لا ينافي أن ينوي بها التنفل .
وأما قول nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم إن المخالفين لا يجيزون لمن عليه فرض إذا أقيم أن يصليه متطوعا فكيف ينسبون إلى معاذ ما لا يجوز عندهم؟ فهذا إن كان كما قال نقض قوي ، وأسلم الأجوبة التمسك بالزيادة المتقدمة كذا في فتح الباري .
قال المنذري : وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي بنحوه .
( عن حزم بن أبي بن كعب أنه أتى معاذ بن جبل ) قال الحافظ : ابن جابر لم يدرك حزما . وروى nindex.php?page=showalam&ids=14724أبو داود الطيالسي في مسنده nindex.php?page=showalam&ids=13863والبزار من طريقه عن طالب بن حبيب عن عبد الرحمن بن جابر عن أبيه قال : " مر حزم بن أبي بن كعب بمعاذ بن جبل وهو يصلي [ ص: 7 ] بقومه صلاة العتمة فافتتح بسورة طويلة ومع حزم ناضح له " الحديث . قال البزار : لا نعلم أحدا سماه عن جابر إلا ابن جابر انتهى . ورواه ابن لهيعة عن nindex.php?page=showalam&ids=11862أبي الزبير عن جابر فسماه حازما وكأنه صحفه أخرجه ابن شاهين من طريقه ورواه أحمد nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي وأبو يعلى nindex.php?page=showalam&ids=12757وابن السكن بإسناد صحيح عن nindex.php?page=showalam&ids=16377عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال : " كان معاذ يؤم قومه فدخل حرام وهو يريد أن يسقي نخله " الحديث . كذا فيه براء بعدها ألف وظن بعضهم أنه حرام بن ملحان خال أنس وبذلك جزم الخطيب في المبهمات لكن لم أره منسوبا في الرواية . ويحتمل أن يكون تصحيف من حزم فتجتمع هذه الروايات . انتهى . ( وهو يصلي بقوم صلاة المغرب ) كذا في هذه الرواية بلفظ " صلاة المغرب " وفي معظم الروايات بلفظ " العشاء " قال الحافظ : فإن حمل على تعدد القصة كما سيأتي أو على أن المراد بالمغرب العشاء مجازا وإلا فما في الصحيح أصح انتهى .
( في هذا الخبر ) المذكور آنفا ( لا تكن فتانا ) أي منفرا عن الدين وصادا عنه ، ففيه الإنكار على من ارتكب ما ينهى عنه وإن كان مكروها غير محرم ، وفيه جواز الاكتفاء في التعزير بالكلام . وفيه الأمر بتخفيف الصلاة والتعزير على إطالتها . قاله النووي .
( فإنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة والمسافر ) فيه استحباب تخفيف الصلاة مراعاة لحال المأمومين ، وأما من قال لا يكره التطويل إذا علم رضا المأمومين فيشكل عليه أن الإمام قد لا يعلم حال من يأتي فيأتم به بعد دخوله في الصلاة كما في حديث الباب ، فعلى هذا يكره التطويل مطلقا إلا إذا فرض في مصل بقوم محصورين راضين بالتطويل في مكان لا يدخله غيرهم . وفي الحديث أن الحاجة من أمور الدنيا عذر في تخفيف الصلاة ، وفيه جواز خروج المأموم من الصلاة لعذر . قال النووي : وفي الحديث جواز صلاة المفترض خلف المتنفل لأن معاذا كان يصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيسقط فرضه ثم يصلي مرة ثانية بقومه هي له تطوع ولهم فريضة ، وقد جاء هكذا مصرحا به في غير مسلم وهذا جائز عند nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله تعالى وآخرين ولم يجزه ربيعة nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة - رضي الله عنهم - والكوفيون ، وتأولوا حديث معاذ - رضي الله عنه - على أنه كان يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - تنفلا ومنهم من تأوله على أنه لم يعلم به النبي - صلى الله عليه وسلم - . ومنهم من قال : حديث معاذ كان في أول الأمر ثم نسخ . وكل هذه التأويلات دعاوى لا أصل لها فلا يترك ظاهر الحديث بها . انتهى .
قلت : قد رد الحافظ ابن حجر في فتح الباري هذه التأويلات ردا حسنا وأشبع الكلام فيه فإن شئت الاطلاع عليه فارجع إليه .