( يطيل الصلاة قبل الجمعة ) والحديث يدل على مشروعية الصلاة قبل [ ص: 355 ] الجمعة ولم يتمسك المانع من ذلك إلا بحديث النهي عن الصلاة وقت الزوال ، وهو مع كون عمومه مخصصا بيوم الجمعة ليس فيه ما يدل على المنع من الصلاة قبل الجمعة على الإطلاق ، وغاية ما فيه المنع في وقت الزوال وهو غير محل النزاع . والحاصل أن الصلاة قبل الجمعة مرغب فيها عموما وخصوصا ، فالدليل على مدعي الكراهة على الإطلاق قاله الشوكاني .
قال الشيخ أبو شامة في كتاب الباعث : ولعل الحديث انقلب على أحد هؤلاء الضعفاء لعدم ضبطهم وإتقانهم فقال قبل الجمعة وإنما هو بعد الجمعة فيكون موافقا لما ثبت في الصحيح انتهى . وقال الترمذي : وروي عن ابن مسعود أنه كان يصلي قبل الجمعة أربعا وبعدها أربعا ، وإليه ذهب الثوري nindex.php?page=showalam&ids=16418وابن المبارك .
( كان يفعل ذلك ) قال أبو شامة في الباعث على إنكار البدع والحوادث أراد بقوله إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك أنه كان يصلي الركعتين بعد الجمعة في بيته ولا يصليها في المسجد وذلك هو المستحب ، وقد ورد من غير هذا الحديث وأرشد إلى هذا التأويل ما تقدم من الأدلة على أنه لا سنة للجمعة قبلها . وأما إطالة ابن عمر الصلاة قبل الجمعة فذلك منه ومن أمثاله تطوعا من عند أنفسهم لأنهم كانوا يبكرون إلى حضور الجمعة فيشتغلون بالصلاة وكذا المراد من صلاة ابن مسعود - رضي الله عنه - قبل الجمعة أربعا أنه كان يفعل ذلك تطوعا إلى خروج الإمام . فمن أين لكم أنه كان يعتقد أنها سنة الجمعة .
وقد جاء عن غيره من الصحابة أكثر من ذلك . قال أبو بكر بن المنذر : روينا عن ابن عمر أنه كان يصلي قبل الجمعة اثنتي عشرة ركعة . وعن ابن عباس أنه كان يصلي ثماني ركعات وهذا دليل على أن ذلك كان منهم من باب التطوع من قبل أنفسهم من غير توقيف من النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولذلك اختلف العدد المروي عنهم ، وباب التطوع مفتوح ، ولعل ذلك كان يقع منهم أو معظمه قبل الأذان ودخول وقت الجمعة لأنهم كانوا يبكرون ويصلون حتى يخرج الإمام .
وجرت عادة الناس أنهم يصلون بين الأذانين يوم الجمعة متنفلين بركعتين أو أربع [ ص: 356 ] ونحو ذلك إلى خروج الإمام ، وذلك جائز ومباح وليس بمنكر من جهة كونه صلاه ، وإنما المنكر اعتقاد العامة منهم ومعظم المتفقه منهم أن ذلك سنة للجمعة قبلها كما يصلون السنة قبل الظهر ولك ذلك بمعزل عن التحقيق ، والجمعة لا سنة لها قبلها كالعشاء والمغرب وكذا العصر انتهى كلامه ملخصا .
قلت : حديث ابن عمر الذي نشرحه قال النووي في الخلاصة صحيح على شرط nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، وقال العراقي في شرح الترمذي إسناده صحيح ، وقال الحافظ ابن الملقن في رسالته إسناده صحيح لا جرم وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في صحيحه انتهى . وأما المشار إليه في قول ابن عمر كان يفعل ذلك فالظاهر ما قاله الشيخ أبو شامة من أنه كان يصلي الركعتين بعد الجمعة في بيته .
وأما قوله " كان يطيل الصلاة قبل الجمعة " فإن كان المراد بعد دخول الوقت فلا يصح أن يكون مرفوعا لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يخرج إذا زالت الشمس فيشتغل بالخطبة ثم بصلاة الجمعة ، وإن كان المراد قبل دخول الوقت فذلك مطلق نافلة لا صلاة راتبة فلا حجة فيه لسنة الجمعة التي قبلها بل هو تنفل مطلق وقد ورد الترغيب فيه وورد في سنة الجمعة التي قبلها أحاديث أخرى ضعيفة انتهى . ويؤيد قول الحافظ ما أخرجه الإمام أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف حدثنا معاذ بن معاذ عن ابن عون عن نافع قال " كان ابن عمر يهجر يوم الجمعة فيطيل الصلاة قبل أن يخرج الإمام " والله أعلم .
قال المنذري : وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي بنحوه وأخرجه مسلم nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه من وجه آخر بمعناه .