( ما كتبنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) : من أحكام الشريعة أو المنفي شيء اختصوا به على الناس ( وما في هذه الصحيفة ) : وسبب قول علي هذا يظهر بما روينا في مسند أحمد من طريق قتادة عن أبي حسان الأعرج أن عليا كان يأمر بالأمر فيقال له قد فعلنا ، فيقول : صدق الله ورسوله ، فقال له الأشتر : هذا الذي تقول شيء عهده إليك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال ما عهد إلي شيئا خاصا دون الناس إلا شيئا سمعته منه فهو في صحيفة في قراب سيفي ، فلم يزالوا به [ ص: 15 ] حتى أخرج الصحيفة فإذا فيها ( المدينة حرام ) : أي حرم كما عند nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري أي حرم محرمة ( ما بين عائر ) : بالعين المهملة والألف مهموزا آخره راء جبل بالمدينة ( إلى ثور ) : وهكذا عند مسلم من حديث علي إلى ثور ، وعند أحمد nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني من حديث nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام ما بين عير إلى أحد " قال أبو عبيد : أهل المدينة لا يعرفون جبلا عندهم يقال له ثور ، وإنما ثور بمكة ، لكن قال صاحب القاموس : ثور جبل بمكة وجبل بالمدينة ومنه الحديث الصحيح : nindex.php?page=hadith&LINKID=753085المدينة حرم ما بين عير إلى ثور .
وأما قول nindex.php?page=showalam&ids=12074أبي عبيد بن سلام وغيره من أكابر الأعلام إن هذا تصحيف والصواب إلى أحد لأن ثورا إنما هو بمكة فغير جيد ، لما أخبرني الشجاع البعلي الشيخ الزاهد عن الحافظ أبي محمد عبد السلام البصري أن حذاء أحد جانحا إلى ورائه جبلا صغيرا يقال له ثور ، وتكرر سؤالي عنه طوائف من العرب العارفين بتلك الأرض فكل أخبر أن اسمه ثور ، ولما كتب إلي الشيخ عفيف الدين المطري عن والده الحافظ الثقة قال : إن خلف أحد عن شماله جبلا صغيرا مدورا يسمى ثورا يعرفه أهل المدينة خلفا عن سلف ونحو ذلك . قاله صاحب تحقيق النصرة .
وقال المحب الطبري في الأحكام : قد أخبرني الثقة العالم أبو محمد عبد السلام البصري أن حذاء أحد عن يساره جانحا إلى ورائه جبلا صغيرا يقال له ثور ، وأخبر أنه تكرر سؤاله عنه لطوائف من العرب العارفين بتلك الأرض وما فيها من الجبال فكل أخبر أن ذلك الجبل اسمه ثور وتواردوا على ذلك . قال : فعلمنا أن ذكر ثور المذكور في الحديث الصحيح صحيح ، وأن عدم علم أكابر العلماء به لعدم شهرته وعدم بحثهم عنه وهذه فائدة جليلة .
وقال أبو بكر بن حسين المراغي نزيل المدينة في مختصره لأخبار المدينة : إن خلف أهل المدينة ينقلون عن سلفهم أن خلف أحد من جهة الشمال جبلا صغيرا إلى الحمرة بتدوير يسمى ثورا . قال وقد تحققته بالمشاهدة .
( فمن أحدث ) : أي أظهر ( حدثا ) : بفتح الحاء والدال أي مخالفا لما جاء به الرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كمن ابتدع بها بدعة ( أو آوى ) : بالمد ( محدثا ) : بكسر الدال أي مبتدعا ( والناس أجمعين ) : فيه وعيد شديد . قال القسطلاني : لكن المراد باللعن هنا العذاب الذي [ ص: 16 ] يستحقه على ذنبه لا كلعن الكافر المبعد عن رحمة الله كل الإبعاد ( لا يقبل ) : بصيغة المجهول ( منه ) : من كل واحد ( عدل ولا صرف ) : قال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : يقال في تفسير العدل إنه الفريضة والصرف النافلة .
ومعنى العدل هو الواجب الذي لا بد منه ، ومعنى الصرف الربح والزيادة ، ومنه صرف الدراهم والدنانير . والنوافل الزيادات على الأصول ، فلذلك سميت صرفا انتهى ( ذمة المسلمين ) : أي عهدهم وأمانهم ( واحدة ) : أي إنها كالشيء الواحد لا يختلف باختلاف المراتب ولا يجوز نقضها لتفرد العاقد بها . وكأن الذي ينقص ذمة نفسه وهي ما يذم الرجل على إضاعته من عهد وأمان كأنهم كالجسد الواحد الذي إذا اشتكى بعضه اشتكى كله ( يسعى بها ) : أي يتولاها ويلي أمرها ( أدناهم ) : أي أدنى المسلمين مرتبة .
والمعنى أن ذمة المسلمين واحدة سواء صدرت من واحد أو أكثر ، شريف أو وضيع . قال الطيبي : فإذا أمن أحد من المسلمين كافرا لم يحل لأحد نقضه وإن كان المؤمن عبدا . قال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : معناه أن يحاصر الإمام قوما من أهل الكفر فيعطي بعض عسكرة المسلمين أمانا لبعض الكفار فإن أمانه ماض وإن كان المجير عبدا وهو أدناهم وأقلهم . وهذا خاص في أمان بعض الكفار دون جماعتهم ولا يجوز لمسلم أن يعطي أمانا عاما لجماعة الكفار ، فإن فعل ذلك لم يجز أمانه لأن ذلك يؤدي إلى تعطيل الجهاد أصلا وذلك غير جائز انتهى .
( فمن أخفر ) : بالخاء المعجمة أي نقض عهده وأمانه للكافر بأن قتل ذلك الكافر أو أخذ ماله ، وحقيقته إزالة خفرته أي عهده وأمانه
( ومن والى قوما ) : بأن يقول معتق لغير معتقه أنت مولاي ( بغير إذن مواليه ) : ليس لتقييد الحكم بعدم الإذن وقصره عليه بل بني الأمر فيه على الغالب وهو أنه إذا استأذن مواليه لم يأذنوا له .
قال الطيبي : قيل أراد به ولاء الموالاة لا ولاء العتق ، كمن انتسب إلى غير أبيه . وقال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : ليس معناه معنى الشرط حتى يجوز أن يوالي غير مواليه إذا أذنوا له في ذلك ، وإنما هو بمعنى التوكيد لتحريمه .
قال المنذري : وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي .
[ ص: 17 ] ( قال لا يختلى خلاها ) : أي لا يقطع كلؤها . قال النووي : معنى يختلى يؤخذ ويقطع ، والخلا بفتح الخاء المعجمة مقصورا هو الرطب من الكلأ ، قالوا الخلا والعشب اسم للرطب منه ، والحشيش والهشيم اسم اليابس منه والكلأ مهموزا يقع على الرطب واليابس .
( ولا ينفر صيدها ) : وفيه تصريح بتحريم التنفير وهو الإزعاج وتنحيته من موضعه فإن نفره عصى سواء تلف أم لا ، لكن إن تلف في نفاره قبل سكون نفاره ضمنه المنفر وإلا فلا ضمان . قال العلماء : نبه النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتنفير على الإتلاف ونحوه لأنه إذا حرم التنفير فالإتلاف أولى . قاله النووي .
( أشاد بها ) : هكذا في بعض النسخ أي رفع صوته بتعريفها أبدا لا سنة ، يقال أشاده وأشاد به إذا أشاعه ورفع ذكره . كذا في النهاية . وفي بعضها أنشدها ، وفي رواية مسلم من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة لا تحل لقطتها إلا لمنشد . المنشد هو المعرف ، وأما طالبها فيقال له ناشد . وأصل النشد والنشاد رفع الصوت .
ومعنى الحديث لا تحل لقطتها لمن يريد أن يعرفها سنة ثم يتملكها كما في باقي البلاد بل لا تحل إلا لمن يعرفها أبدا ولا يتملكها ، وبهذا قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=16349وعبد الرحمن بن مهدي وأبو عبيد وغيرهم . وقال مالك : يجوز تملكها بعد تعرفها سنة كما في سائر البلاد . وبه قال بعض أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . قاله النووي .
( ولا يصلح لرجل ) : قال ابن رسلان : هذا محمول عند أهل العلم على حمل السلاح لغير ضرورة ولا حاجة فإن كانت حاجة جاز .
( ولا يصلح أن يقطع ) : استدل بهذا وغير ذلك من الأحاديث الصحيحة على تحريم شجرها وخبطه وعضده وتحريم صيدها وتنفيره . nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك وأحمد وجمهور أهل العلم على أن للمدينة حرما كحرم مكة يحرم صيده وشجره . قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك : فإن قتل صيدا أو قطع شجرا فلا ضمان لأنه ليس بمحل للنسك فأشبه الحمى . وقال ابن أبي ذئب nindex.php?page=showalam&ids=12526وابن أبي ليلى يجب فيه الجزاء كحرم مكة ، وبه قال بعض المالكية وهو ظاهر قوله كما حرم إبراهيم مكة .
وذهب أبو حنيفة وغيره إلى أن حرم المدينة ليس بحرم على الحقيقة ولا تثبت له الأحكام من تحريم قتل الصيد وقطع [ ص: 18 ] الشجر ، والأحاديث ترد عليهم واستدلوا بحديث nindex.php?page=hadith&LINKID=751611يا أبا عمير ما فعل النغير وأجيب عنه بأن ذلك كان قبل تحريم المدينة أو أنه من صيد الحل .
( إلا أن يعلف ) : من باب ضرب ، والعلف بفتح العين واللام اسم الحشيش أي ما تأكله الدابة وبسكون اللام مصدر علفت علفا . وفيه جواز أخذ أوراق الشجر للعلف لا لغيره .