هكذا في بعض النسخ والأكثر خال عن هذا وليس هذا الباب في المنذري أيضا وإنما أورد المؤلف في باب تحريم المدينة أحاديث تحريمها وما يتعلق بفضائل المدينة وزيارة قباء والصلاة والسلام عند قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وغير ذلك .
( قال nindex.php?page=hadith&LINKID=753088ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام ) : قال في فتح الودود : إلا رد الله علي روحي من قبيل حذف المعلول وإقامة العلة مقامه ، وهذا فن في الكلام شائع في الجزاء والخبر مثل قوله تعالى فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك أي فإن كذبوك فلا تحزن فقد كذب . إلخ ، فحذف الجزاء وأقيم علته مقامه ، وقوله تعالى إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا أي إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلا نضيع عملهم لأنا لا نضيع أجر من أحسن عملا ، فكذا هاهنا يقدر الكلام أي ما من أحد يسلم علي إلا أرد عليه السلام لأني حي أقدر على رد السلام ، وقوله حتى أرد عليه ، أي فسبب ذلك حتى أرد عليه فحتى هنا حرف ابتداء تفيد السببية مثل مرض فلان حتى لا يرجونه ، لا بمعنى كي ، وبهذا اتضح معنى الحديث ولا يخالف ما ثبت حياة [ ص: 22 ] الأنبياء عليهم السلام انتهى كلامه . وقال السيوطي : وقع السؤال عن الجمع بين هذا الحديث وبين حديث الأنبياء أحياء وفي قبورهم يصلون وسائر الأحاديث الدالة في حياة الأنبياء فإن ظاهر الأول مفارقة الروح في بعض الأوقات ، وألفت في الجواب عن ذلك تأليفا سميته انتباه الأذكياء بحياة الأنبياء .
وحاصل ما ذكرته فيه خمسة عشر وجها أقواها أن قوله : رد الله روحي جملة حالية ، وقاعدة العربية أن جملة الحال إذا صدرت بفعل ماض قدرت فيه قد كقوله تعالى : أو جاءوكم حصرت صدورهم أي قد حصرت وكذا هاهنا يقدر قد والجملة ماضية سابقة على السلام الواقع من كل أحد ، وحتى ليست للتعليل بل لمجرد العطف بمعنى الواو فصار تقدير الحديث : ما من أحد يسلم علي إلا قد رد الله علي روحي قبل ذلك وأرد عليه .
وإنما جاء الإشكال من أن جملة رد الله علي روحي بمعنى حال أو استقبال ، وظن أن حتى تعليلية ولا يصح كل ذلك . وبهذا الذي قدرناه ارتفع الإشكال من أصله . ويؤيده من حيث المعنى أن الرد لو أخذ بمعنى حال أو استقبال للزم تكرره عند تكرر المسلمين ، وتكرر الرد يستلزم تكرر المفارقة ، وتكرر المفارقة يلزم عليه محذورات ، منها تألم الجسد الشريف بتكرار خروج روحه وعوده أو نوع ما من مخالفة تكرير إن لم يتألم ، ومنها مخالفة سائر الناس من الشهداء وغيرهم إذ لم يثبت لأحدهم أنه يتكرر له مفارقة روحه وعوده بالبرزخ وهو - صلى الله عليه وسلم - أولى بالاستمرار الذي هو أعلى رتبة . ومنها مخالفة القرآن إذ دل أنه ليس إلا موتتان وحياتان ، وهذا التكرار يستلزم موتات كثيرة وهو باطل . ومنها مخالفة الأحاديث المتواترة الدالة على حياة الأنبياء وما خالف القرآن والسنة المتواترة وجب تأويله .
قال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في كتاب الاعتقاد : الأنبياء بعد ما قبضوا ردت إليهم أرواحهم فهم أحياء عند ربهم كالشهداء . والحديث أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في كتاب حياة الأنبياء بلفظ إلا وقد رد الله علي روحي بزيادة لفظ " قد " وقال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في شعب الإيمان : وقوله " إلا رد الله علي روحي " معناه والله أعلم إلا وقد رد الله علي روحي فأرد عليه السلام ، فأحدث الله عودا على بدء .
قال السيوطي : ولفظ الرد قد لا يدل على المفارقة بل كنى به عن مطلق الصيرورة ، وحسنه هذا مراعاة المناسبة اللفظية بينه وبين قوله حتى أرد عليه السلام فجاء لفظ الرد في [ ص: 23 ] صدر الحديث لمناسبة ذكره بآخره . وليس المراد بردها عودها بعد مفارقة بدنها وإنما النبي - صلى الله عليه وسلم - بالبرزخ مشغول بأحوال الملكوت مستغرق في مشاهدته تعالى كما هو في الدنيا بحالة الوحي ، فعبر عن إفاقته من تلك الحالة برد الروح . انتهى .
قال الشيخ تاج الدين الفاكهاني : فإن قلت : قوله " إلا رد الله علي روحي " لا يلتئم مع كونه حيا دائما ، بل يلزم منه أن تتعدد حياته ومماته ، فالجواب أن يقال معنى الروح هنا النطق مجازا ، فكأنه قال : إلا رد الله علي نطقي وهو حي دائما ، لكن لا يلزم من حياته نطقه فيرد عليه نطقه عند سلام كل أحد ، وعلاقة المجاز أن النطق من لازمه وجود الروح ، كما أن الروح من لازمه وجود النطق بالفعل أو القوة ، فعبر - صلى الله عليه وسلم - بأحد المتلازمين عن الآخر .
وقال العلامة السخاوي في كتاب البديع : رد روحه يلزمه تعدد حياته ووفاته في أقل من ساعة إذ الكون لا يخلو من أن يسلم عليه ، بل قد يتعدد في آن واحد كثيرا . وأجاب الفاكهاني وبعضهم بأن الروح هنا بمعنى النطق مجازا فكأنه قال يرد الله علي نطقي . وقيل إنه على ظاهره بلا مشقة . وقيل : المراد بالروح ملك وكل بإبلاغه السلام وفيه نظر . انتهى .
قال الخفاجي في نسيم الرياض شرح الشفاء nindex.php?page=showalam&ids=14919للقاضي عياض : واستعارة رد الروح للنطق بعيدة وغير معروفة ، وكون المراد بالروح الملك تأباه الإضافة لضمير إلا أنه ملك كان ملازما له ، فاختص به على أنه أقرب الأجوبة . وقد ورد في بعض الأحاديث . قال أبو داود : بلغني أن ملكا موكلا بكل من صلى عليه - صلى الله عليه وسلم - حين يبلغه .
وقد ورد أيضا إطلاق الروح على الملك في القرآن ، وإذا خص هذا بالزوار هان أمره .
وجملة : " رد الله علي روحي " حالية ولا يلزمها قد إذا وقعت بعد إلا كما ذكره في التسهيل ، وهو استثناء من أعم الأحوال . وبالجملة فهذا الحديث لا يخلو من الإشكال .
قال الخفاجي : أقول الذي يظهر في تفسير الحديث من غير تكلف أن الأنبياء والشهداء أحياء وحياة الأنبياء أقوى ، وإذا لم يسلط عليهم الأرض فهم كالنائمين . والنائم لا يسمع ولا ينطق حتى ينتبه كما قال الله تعالى : والتي لم تمت في منامها الآية ، فالمراد بالرد الإرسال الذي في الآية ، وحينئذ فمعناه أنه إذا سمع الصلاة والسلام بواسطة أو بدونها تيقظ [ ص: 24 ] ورد لا أن روحه تقبض قبض الممات ثم ينفخ وتعاد كموت الدنيا وحياتها ، لأن روحه مجردة نورانية وهذا لمن زاره ، ومن بعد تبلغه الملائكة سلامه فلا إشكال أصلا انتهى .
قال في " غاية المقصود شرح سنن أبي داود " بعد ما أطال الكلام : هذا أي تقرير الخفاجي من أحسن التقارير .
وأخرج أبو بكر بن أبي شيبة nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي في الشعب عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : nindex.php?page=hadith&LINKID=3508094من صلى علي عند قبري سمعته ، ومن صلى نائيا بلغته ومعنى قوله نائيا أي بعيدا عني ، وبلغته بصيغة المجهول مشددا أي بلغته الملائكة سلامه وصلاته علي .
وأخرج أبو الشيخ في كتاب الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم : حدثنا عبد الرحمن بن أحمد الأعرج حدثنا الحسين بن الصباح حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من صلى علي عند قبري سمعته ، ومن صلى علي من بعيد أبلغته ، قال ابن القيم في جلاء الأفهام : وهذا الحديث غريب جدا .
وما قال علي القاري تحت حديث الباب في شرح الشفاء وظاهره الإطلاق الشامل لكل مكان وزمان ، ومن خص الرد بوقت الزيارة فعليه البيان انتهى . فيرد كلامه بما ذكرنا من الروايات .
والقول الصحيح أن هذا لمن زاره ، ومن بعد عنه تبلغه الملائكة سلامه . وحديث الباب أخرجه أحمد بقوله حدثنا عبد الله بن يزيد حدثنا حيوة نحوه سندا ومتنا .
قال ابن القيم : وقد صح إسناد هذا الحديث وسألت شيخنا ابن تيمية عن سماع يزيد بن عبد الله من nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة فقال كأنه أدركه وفي سماعه منه نظر انتهى كلامه . وقال النووي في الأذكار ورياض الصالحين : إسناده صحيح . وقال ابن حجر : رواته ثقات .
وقال المنذري : أبو صخر حميد بن زياد وقد أخرج له مسلم في صحيحه وقد أنكر عليه شيء من حديثه ، وضعفه nindex.php?page=showalam&ids=17336يحيى بن معين مرة ووثقه أخرى ، انتهى كذا في غاية المقصود مختصرا .