[ ص: 61 ] ( فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله ) : قال العلماء : سبب غضبه صلى الله عليه وسلم أنه كره مسألته لأنه يحتاج إلى أن يجيبه ويخشى من جوابه مفسدة وهي أنه ربما اعتقد السائل وجوبه أو استقله أو اقتصر عليه وكان يقتضي حاله أكثر منه ، وإنما اقتصر عليه النبي صلى الله عليه وسلم لشغله لصالح المسلمين وحقوقهم وحقوق أزواجه وأضيافه والوافدين عليه ، ولئلا يقتدي به كل أحد فيؤدي الضرر في حق بعضهم .
وكان حق السائل أن يقول كم أصوم وكيف أصوم ، فيخص السؤال بنفسه ليجيبه بما تقتضيه حاله كما أجاب غيره بمقتضى أحوالهم والله أعلم .
قاله النووي ( لا صام ولا أفطر ) : معناه لم يصم ولم يفطر ، وقد توضع لا بموضع " لم " كقوله [ ص: 62 ] سبحانه فلا صدق ولا صلى أي لا تصدق ولم يصل ، وقد يحتمل أن يكون معناه الدعاء عليه كراهة لصنعه وزجرا له عن ذلك ، ويشبه أن يكون الذي نهى عنه من صوم الدهر هو أن يسرد الصيام أيام السنة كلها لا يفطر منها الأيام المنهي عن صيامها .
وقد سرد الصوم دهره أبو طلحة الأنصاري وكان لا يفطر في سفر ولا حضر فلم يعبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نهى عن ذلك ، كذا في المعالم ( وددت أني طوقت ) : بصيغة المجهول ( ذلك ) : يحتمل أن يكون إنما خاف العجز عن ذلك للحقوق التي تلزمه لنسائه لأن ذلك يخل بحظوظهن منه لا لضعف جبلته عن احتمال الصيام أو قلة صبره عن الطعام في هذه المدة . انتهى كلام الخطابي .
أو يقال إنما قاله لحقوق نسائه وغيرهن من المسلمين والمتعلقين به والقاصدين إليه .
[ ص: 63 ] ( وصيام عرفة إني أحتسب على الله . . . إلخ ) : معناه يكفر ذنوب صائمه في السنتين قالوا والمراد به الصغائر ، وإن لم تكن صغائر ، يرجى التخفيف من الكبائر ، فإن لم يكن رفعت درجات .
واختلف العلماء فيه ، فذهب أهل الظاهر إلى منع صيام الدهر لظواهر هذه الأحاديث .
قال القاضي وغيره : ذهب جماهير العلماء إلى جوازه إذا لم يصم الأيام المنهي عنها وهي العيدان والتشريق .
ومذهب الشافعي وأصحابه أن سرد الصيام إذا أفطر العيد والتشريق لا كراهة فيه بل هو مستحب بشرط أن لا يلحقه به ضرر ولا يفوت حقا ، فإن تضرر أو فوت حقا فمكروه .