بفتح الراء وسكون الهاء في اللغة الاحتباس ، من قولهم رهن الشيء إذا دام وثبت ، وفي الشرع : جعل مال وثيقة على دين ويطلق أيضا على العين المرهونة تسمية للمفعول بها باسم المصدر ، وأما الرهن بضمتين فالجمع ويجمع أيضا على رهان بكسر الراء .
[ ص: 349 ] ( لبن الدر ) : بفتح الدال المهملة وتشديد الراء مصدر بمعنى الدارة أي ذات الضرع ( يحلب ) : بصيغة المجهول ( والظهر ) : أي ظهر الدابة ، وقيل الظهر الإبل القوي يستوي فيه الواحد والجمع . ولعله سمي بذلك لأنه يقصد لركوب الظهر ( يركب ) : بصيغة المجهول . وقوله : يحلب ويركب . هو خبر في معنى الأمر كقوله تعالى والوالدات يرضعن أولادهن : ( وعلى الذي يحلب ويركب النفقة ) : وقد قيل إن فاعل الركوب والحلب لم يتعين فيكون الحديث مجملا .
وأجيب بأنه لا إجمال بل المراد المرتهن بقرينة أن انتفاع الراهن بالعين المرهونة لأجل كونه ملكا ، والمراد هنا الانتفاع في مقابلة النفقة ، وذلك يختص بالمرتهن كما وقع التصريح به في بعض الروايات .
وفيه دليل على أنه يجوز للمرتهن الانتفاع بالرهن إذا قام بما يحتاج إليه ولو لم يأذن المالك ، وبه قال أحمد وإسحاق nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث والحسن وغيرهم . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك وجمهور العلماء : لا ينتفع المرتهن من الرهن بشيء ، بل الفوائد للراهن والمؤن عليه . كذا في النيل .
وقال الحافظ في الفتح : وعلى الذي يحلب ويركب النفقة أي كائنا من كان ، هذا ظاهر الحديث ، وفيه حجة لمن قال : يجوز للمرتهن الانتقاع بالرهن إذا قام بمصلحته ولو لم يأذن له المالك ، وهو قول أحمد وإسحاق ، وطائفة قالوا : ينتفع المرتهن من الرهن بالركوب والحلب بقدر النفقة ولا ينتفع بغيرها لمفهوم الحديث . وأما دعوى الإجمال فيه فقد دل بمنطوقه على إباحة الانتفاع في مقابلة الإنفاق ، وهذا يختص بالمرتهن لأن الحديث وإن كان مجملا لكنه يختص بالمرتهن لأن انتفاع الراهن بالمرهون لكونه مالك رقبته لا لكونه منفقا عليه بخلاف المرتهن .
وذهب الجمهور إلى أن المرتهن لا ينتفع من المرهون بشيء ، وتأولوا الحديث [ ص: 350 ] لكونه ورد على خلاف القياس من وجهين ، أحدهما : التجويز لغير المالك أن يركب ويشرب بغير إذنه ، والثاني تضمينه ذلك بالنفقة لا بالقيمة .
قال nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : هذا الحديث عند جمهور الفقهاء يرده أصول مجمع عليها وآثار ثابتة لا يختلف في صحتها ، ويدل على نسخه حديث ابن عمر nindex.php?page=hadith&LINKID=752200لا تحلب ماشية امرئ بغير إذنه انتهى . وتعقب بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال ، والتاريخ في هذا متعذر ، والجمع بين الأحاديث ممكن . وذهب الأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور إلى حمله على ما إذا امتنع الراهن من الإنفاق على المرهون فيباح حينئذ للمرتهن الإنفاق على الحيوان حفظا لحياته ولإبقاء المالية فيه وجعل له في مقابلة نفقته الانتفاع بالركوب أو بشرب اللبن بشرط أن لا يزيد قدر ذلك أو قيمته على قدر علفه وهي من جملة مسائل الظفر . انتهى ما في فتح الباري .
ويجاب عن دعوى مخالفة هذا الحديث الصحيح للأصول بأن السنة الصحيحة من جملة الأصول فلا ترد إلا بمعارض أرجح منها بعد تعذر الجمع . وعن حديث ابن عمر الذي عند nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في أبواب المظالم بأنه عام وحديث الباب خاص فيبنى العام على الخاص . قال في النيل : وأجود ما يحتج به للجمهور حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة nindex.php?page=hadith&LINKID=3508288لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه لأن الشارع قد جعل الغنم والغرم للراهن ، ولكنه قد اختلف في وصله وإرساله ورفعه ووقفه ، وذلك مما يوجب عدم انتهاضه لمعارضة ما في صحيح nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري وغيره انتهى .
قلت : أخرج nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني وقال : هذا إسناد حسن متصل عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال nindex.php?page=hadith&LINKID=3508289لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه وأخرجه أيضا nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان في صحيحه وأخرجه أيضا ابن ماجه من طريق أخرى . وصحح أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13863والبزار nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني nindex.php?page=showalam&ids=12858وابن القطان إرساله عن nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب بدون ذكر nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة .
قال الحافظ في التلخيص : وله طرق في nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي كلها ضعيفة . وقال في بلوغ المرام : إن رجاله ثقات إلا أن المحفوظ عند أبي داود وغيره إرساله انتهى . وساقه nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم بإسناده إلى الزهري عن nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب nindex.php?page=showalam&ids=12031وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة [ ص: 351 ] قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=hadith&LINKID=3508290لا يغلق الرهن لمن رهنه له غنمه وعليه غرمه قال nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم : هذا إسناد حسن . وتعقبه الحافظ بأن قوله في السند : نصر بن عاصم . تصحيف ، وإنما هو عبد الله بن نصر الأصم الأنطاكي وله أحاديث منكرة . وقد رواه nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني من طريق nindex.php?page=showalam&ids=16806عبد الله بن نصر المذكور وصحح هذه الطريق عبد الحق وصحح أيضا وصله nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر ، وقال هذه اللفظة يعني " له غنمه وعليه غرمه " اختلفت الرواة في رفعها ووقفها ، فرفعها ابن أبي ذئب ومعمر وغيرهما . ووقفها غيرهم . وقد روى ابن وهب هذا الحديث فجوده وبين أن هذه اللفظة من قول nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب .
وقال أبو داود في المراسيل : قوله " nindex.php?page=hadith&LINKID=3508291له غنمه وعليه غرمه " من كلام nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب نقله عنه الزهري . وقال الأزهري : الغلق في الرهن ضد الفك فإذا فك الراهن الرهن فقد أطلقه من وثاقه عند مرتهنه . وروى عبد الرزاق عن معمر أنه فسر غلاق الرهن بما إذا قال الرجل : إن لم آتك بمالك فالرهن لك . قال ثم بلغني عنه أنه قال : إن هلك لم يذهب حق هذا إنما هلك من رب الرهن له غنمه وعليه غرمه .
وقد روي أن المرتهن في الجاهلية كان يتملك الرهن إذا لم يؤد الراهن إليه ما يستحقه في الوقت المضروب فأبطله الشارع . كذا في النيل .
قال المنذري : وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه ، وقال أبو داود : هو عندنا صحيح .