( عن خلاس ) بكسر أوله وتخفيف اللام ابن عمرو الهجري بفتحتين البصري ثقة وكان يرسل من الثانية ( استهما ) أي : اقترعا ( ما كان ) وفي بعض النسخ ما كانا بصيغة التثنية قال بعض الأعاظم في تعليقات السنن : لفظة " ما " في ما كان مصدر أي : مفعول مطلق لكان ، كما في قوله تعالى : ما أغنى عنه ماله وما كسب والتقدير أي غناء أغنى عنه ماله وكسبه . وكان هذه تامة والضمير فيها عائد إلى الاستفهام الذي يتضمنه قوله - صلى الله عليه وسلم - " استهما " وجملة " أحبا ذلك أو كرها " كالتفسير لجملة ما كان ، والغرض من زيادة المفسر والمفسر تقرير المعنى السابق وتوكيده .
والمعنى أي كون كان الاستهام المذكور أي : سواء أحبا ذلك الاستهام أو كرهاه . والحاصل أنهما يستهمان على اليمين لا محالة وعلى كل تقدير سواء كان الاستهام المذكور محبوبا لهما أو مكروها لهما وما في بعض النسخ ما كانا بصيغة التثنية فهو أيضا صحيح ، وضمير التثنية يرجع إلى الرجلين المدعيين ، والتقدير أي كون كان المدعيان المذكوران أي [ ص: 35 ] سواء أحبا ذلك الاستهام أو كرهاه ، والله أعلم انتهى ( أحبا ذلك أو كرها ) أي : مختارين لذلك بقلبهما أو كارهين .
قال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : معنى الاستهام هاهنا الاقتراع ، يريد أنهما يقترعان فأيهما خرجت له القرعة حلف وأخذ ما ادعاه وروي ما يشبه هذا عن علي - رضي الله عنه - ، قال حنش بن المعتمر : أتي علي ببغل وجد في السوق يباع فقال رجل : هذا بغلي لم أبع ولم أهب . ونزع علي ما قال بخمسة يشهدون ، قال : وجاء رجل آخر يدعيه يزعم أنه بغله وجاء بشاهدين ، فقال علي - رضي الله عنه - إن فيه قضاء وصلحا وسوف أبين لكم ذلك كله ، أما صلحه أن يباع البغل فيقسم ثمنه على سبعة أسهم لهذا خمسة ولهذا سهمان ، وإن لم يصطلحوا إلا القضاء فإنه يحلف أحد الخصمين أنه بغله ما باعه ولا وهبه ، فإن تشاححتما فأيكما يحلف أقرعت بينكما على الحلف فأيكما قرع حلف ، قال فقضى بهذا وأنا شاهد ، انتهى .
قال الكرماني : وإنما يفعل الاستهام والاقتراع إذا تساوت درجاتهم في أسباب الاستحقاق مثل أن يكون الشيء في يد اثنين كل واحد منهما يدعي كله فيريد أحدهما أن يحلف ويستحق ، ويريد الآخر مثل ذلك ، فيقرع بينهما ، فمن خرجت له حلف واستحقه ، انتهى .
قال في شرح المشكاة : صورة المسألة أن رجلين إذا تداعيا في يد ثالث ولم يكن لهما بينة ، أو لكل واحد منهما بينة وقال الثالث : لا أعلم بذلك ، يعني أنه لكما أو لغيركما فحكمهما أن يقرع بين المتداعيين فأيهما خرجت له القرعة يحلف معها ويقضى له بذلك المتاع ، وبهذا قال علي ، وعند nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي يترك في يد الثالث ، وعند أبي حنيفة يجعل بين المتداعيين نصفين .
وقال ابن الملك وبقول علي ، قال أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي في أحد أقواله ، وفي قوله الآخر ، وبه قال أبو حنيفة أيضا : إنه يجعل بين المتداعيين نصفين مع يمين كل منهما ، وفي قول آخر يترك في يد الثالث ، انتهى .
وقال الشوكاني : لو تنازع رجلان في عين دابة أو غيرها ، فادعى كل واحد منهما أنها ملكه دون صاحبه ولم يكن بينهما بينة ، وكانت العين في يديهما ، فكل واحد مدع في نصف [ ص: 36 ] ومدعى عليه في نصف ، أو أقام البينة كل واحد على دعواه تساقطتا وصارتا كالعدم ، وحكم به الحاكم نصفين بينهما لاستوائهما في اليد وكذا إذا لم يقيما بينة ، وكذا إذا حلفا أو نكلا انتهى .
وأما قوله : " أحبا أو كرها " فقال الحافظ في الفتح : قال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي وغيره : الإكراه هنا لا يراد به حقيقته لأن الإنسان لا يكره على اليمين ، وإنما المعنى إذا توجهت اليمين على اثنين وأرادا الحلف سواء كانا كارهين لذلك بقلبهما وهو معنى الإكراه أو مختارين لذلك بقلبهما وهو معنى الاستحباب ، وتنازعا أيهما يبدأ فلا يقدم أحدهما على الآخر بالتشهي بل بالقرعة ، وهو المراد بقوله فليستهما أي : فليقترعا .
وقيل : صورة الاشتراك في اليمين أن يتنازع اثنان عينا ليست في يد واحد منهما ولا بينة لواحد منهما فيقرع بينهما فمن خرجت له القرعة حلف واستحقها ويؤيده حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة من طريق أبي رافع .
وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عرض على قوم اليمين فأسرعوا فأمر أن يسهم بينهم في اليمين أيهم يحلف فيحتمل أن تكون قصة أخرى ، فيكون القوم المذكورون مدعى عليهم بعين في أيديهم مثلا ، وأنكروا ولا بينة للمدعى عليهم فتوجهت عليهم اليمين ، فتسارعوا إلى الحلف والحلف لا يقع معتبرا إلا بتلقين المحلف ، فقطع النزاع بينهم بالقرعة ، فمن خرجت له بدأ به ، انتهى .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في بيان معنى الحديث : إن القرعة في أيهما تقدم عند إرادة تحليف القاضي لهما وذلك أنه يحلف واحدا ثم يحلف الآخر فإن لم يحلف الثاني بعد حلف الأول قضى بالعين كلها للحالف أولا ، وإن حلف الثاني فقد استويا في اليمين فتكون العين بينهما كما كانت قبل أن يحلفا .
وقد حمل nindex.php?page=showalam&ids=12569ابن الأثير في جامع الأصول الحديث على الاقتراع في المقسوم بعد القسمة . قال الشوكاني : وهو بعيد وترده الرواية بلفظ فليستهما عليها أي : على اليمين . قال المنذري : وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي .