أي : هذا باب في بيان من أحق من الناس بالقصص والمواعظ والتذكير .
( لا يقص ) نفي لا نهي ووجهه ما قاله الطيبي إنه لو حمل على النهي الصريح لزم أن يكون المختال مأمورا بالاقتصاص ، ثم القص التكلم بالقصص والأخبار والمواعظ . وقيل : المراد به الخطبة خاصة . والمعنى لا يصدر هذا الفعل إلا من هؤلاء الثلاثة . قاله القاري ( إلا أمير ) أي : حاكم ( أو مأمور ) أي : مأذون له بذلك من الحاكم ، أو مأمور من عند الله كبعض العلماء والأولياء ( أو مختال ) أي : مفتخر متكبر طالب للرياسة .
وقال في النهاية : معناه لا ينبغي ذلك إلا لأمير يعظ الناس ويخبرهم بما مضى ليعتبروا ، أو مأمور بذلك فيكون حكمه حكم الأمير ولا يقص تكسبا ، أو يكون القاص مختالا يفعل ذلك تكبرا على الناس أو مرائيا يرائي الناس بقوله وعلمه ، لا يكون وعظه وكلامه حقيقة .
وقيل : أراد الخطبة لأن الأمراء كانوا يلونها في الأول ويعظون الناس فيها ويقصون عليهم أخبار الأمم السالفة ، انتهى .
قال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : بلغني عن ابن سريج أنه كان يقول هذا في الخطبة ، وكان الأمراء يلون الخطب ويعظون الناس ويذكرونهم فيها ، فأما المأمور فهو من يقيمه الإمام خطيبا فيقص الناس ويقص عليهم ، والمختال هو الذي نصب نفسه لذلك من غير أن يؤمر به ويقص على الناس طلبا للرياسة ، فهو الذي يرائي بذلك ويختال .
وقد قيل إن المتكلمين على الناس ثلاثة أصناف مذكر وواعظ وقاص ، فالمذكر الذي يذكر الناس آلاء الله ونعماءه ، ويبعثهم به على الشكر له ، والواعظ يخوفهم بالله وينذرهم [ ص: 80 ] عقوبته فيردعهم به عن المعاصي ، والقاص هو الذي يروي لهم أخبار الماضين ويسرد لهم القصص فلا يأمن أن يزيد فيها أو ينقص . والمذكر والواعظ مأمون عليهما ذلك ، انتهى .
وقال السندي : القص التحدث بالقصص ويستعمل في الوعظ ، والمختال هو المتكبر ، قيل هذا في الخطبة ، والخطبة من وظيفة الإمام ، فإن شاء خطب بنفسه ، وإن شاء نصب نائبا يخطب عنه وأما من ليس بإمام ولا نائب عنه إذا تصدى للخطبة فهو ممن نصب نفسه في هذا المحل تكبرا ورياسة .
وقيل : بل القصاص والوعاظ لا ينبغي لهما الوعظ والقصص إلا بأمر الإمام وإلا لدخلا في المتكبر ، وذلك لأن الإمام أدرى بمصالح الخلق ، فلا ينصب إلا من لا يكون ضرره أكثر من نفعه ، بخلاف من نصب نفسه فقد يكون ضرره أكثر فقد فعل تكبرا ورياسة فليرتدع عنه .
قال المنذري : في إسناده عباد بن عباد الخواص وفيه مقال .