قال : وقد أشكل على بعضهم وجه التوفيق بين هذه الأحاديث وأولوا فيها بما لا جدوى في نقله ، والصواب فيها أن النهي محمول على كراهة التنزيه ، وأما شربه قائما فبيان للجواز ، وأما من زعم النسخ أو الضعف فقد غلط غلطا فاحشا ، وكيف يصار إلى النسخ مع إمكان الجمع بينهما لو ثبت التاريخ؟ وأنى له بذلك وإلى القول بالضعف مع صحة الكل .
قلت : وكذلك سلك آخرون في الجمع بحمل أحاديث النهي على كراهة التنزيه ، وأحاديث الجواز على بيانه ، وهي طريقة nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي nindex.php?page=showalam&ids=12997وابن بطال في آخرين .
قال الحافظ : وهذا أحسن المسالك وأسلمها وأبعدها من الاعتراض .
فاختلف في هذه الأحاديث فقوم سلكوا بها مسلك النسخ وقالوا : آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الشرب قائما ، كما شرب في حجة الوداع ، وقالت طائفة في ثبوت النسخ بذلك نظر ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لعله شرب قائما لعذر ، وقد حلف عكرمة أنه كان حينئذ راكبا . وحديث علي قصة عين فلا عموم لها .
وأما حديث ابن عمر : " nindex.php?page=hadith&LINKID=841575كنا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نأكل ونحن نمشي ونشرب ونحن قيام " رواه nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي وصححه ، فلا يدل على النسخ إلا بعد ثلاثة أمور : مقاومته لأحاديث النهي في الصحة ، وبلوغ ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، وتأخره عن أحاديث النهي ، وبعد ذلك فهو حكاية فعل لا عموم لها ، فإثبات النسخ في هذا عسر ، انتهى كلامه .
قالت طائفة : هذا ناسخ للنهي ، وقالت طائفة : بل مبين أن النهي ليس للتحريم ، بل للإرشاد وترك الأولى .
[ ص: 148 ] وقالت طائفة : لا تعارض بينهما أصلا ، فإنه إنما شرب قائما للحاجة ، فإنه جاء إلى زمزم وهم يسقون منها فاستقى فناولوه الدلو فشرب وهو قائم ، هذا كان موضع حاجة .
وللشرب قائما آفات عديدة : منها أنه لا يحصل له الري التام ، ولا يستقر في المعدة حتى يقسمه الكبد على الأعضاء ، وينزل بسرعة وحدة إلى المعدة ، فيخشى منه أن يبرد حرارتها وتشوشها وتسرع النفوذ إلى أسفل البدن بغير تدريج ، وكل هذا يضر بالشارب ، وأما إذا فعله نادرا أو لحاجة لم يضره ، انتهى .
وأخرج مالك في الموطأ أنه بلغه أن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي بن أبي طالب nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان بن عفان كانوا يشربون قياما .
وقال مالك عن ابن شهاب إن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أم المؤمنين nindex.php?page=showalam&ids=15973وسعد بن أبي وقاص كانا لا يريان بشرب الإنسان وهو قائم بأسا .
قال مالك عن أبي جعفر القاري إنه قال : رأيت عبد الله بن عمر يشرب قائما . nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك عن nindex.php?page=showalam&ids=16281عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه أنه كان يشرب قائما ، انتهى .
قال المنذري : وأخرجه مسلم nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه بنحوه .