66 حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17259هناد nindex.php?page=showalam&ids=14161والحسن بن علي الخلال وغير واحد قالوا حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=11804أبو أسامة عن nindex.php?page=showalam&ids=15498الوليد بن كثير عن nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب عن عبيد الله بن عبد الله بن رافع بن خديج عن nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري قال nindex.php?page=hadith&LINKID=662431قيل يا رسول الله أنتوضأ من بئر بضاعة وهي بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الماء طهور لا ينجسه شيء قال أبو عيسى هذا حديث حسن وقد جود أبو أسامة هذا الحديث فلم يرو أحد حديث أبي سعيد في بئر بضاعة أحسن مما روى أبو أسامة وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أبي سعيد وفي الباب عن ابن عباس وعائشة
قوله : ( nindex.php?page=showalam&ids=14161والحسن بن علي الخلال ) الحلواني الريحاني المكي ، روى عن عبد الرزاق nindex.php?page=showalam&ids=17277ووكيع وعبد الصمد وخلق ، وعنه الأئمة الستة ، كان ثقة ثبتا متقنا توفي بمكة سنة 242 اثنتين وأربعين ومائتين .
( نا nindex.php?page=showalam&ids=11804أبو أسامة ) هو حماد بن أسامة القرشي مولاهم الكوفي ، مشهور بكنيته ، ثقة ثبت ربما دلس وكان بأخرة يحدث من كتب غيره ، من كبار التاسعة مات سنة 201 إحدى ومائتين وهو ابن [ ص: 169 ] ثمانين .
( عن الوليد بن كثير ) المدني ثم الكوفي وثقه ابن معين وأبو داود ( عن nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب ) ابن سليم بن أسد القرظي المدني ، وكان قد نزل الكوفة مدة ، ثقة عالم ، من الثالثة ، ولد سنة 40 أربعين على الصحيح ، ووهم من قال ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كذا في التقريب .
( عن عبيد الله بن عبد الله بن رافع بن خديج ) قال الحافظ في التقريب : عبيد الله بن عبد الله بن رافع بن خديج يأتي في عبيد الله بن عبد الرحمن ، ثم قال فيه : عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع الأنصاري ويقال ابن عبد الله هو راوي حديث بئر بضاعة ، مستور من الرابعة . انتهى .
قلت : فالحق أنه ليس بمستور كما ستعرف .
( عن nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري ) بضم الخاء المعجمة اسمه سعد بن مالك بن سنان بن عبيد الأنصاري له ولأبيه صحبة استصغر بأحد ثم شهد ما بعدها ، وروى الكثير ، مات بالمدينة سنة ثلاث أو أربع أو خمس وستين كذا في التقريب .
قوله : ( قيل يا رسول الله أنتوضأ ) كذا في النسخ الحاضرة بالنون والتاء بصيغة المتكلم مع الغير ، وقال الحافظ في التلخيص : قوله أتتوضأ بتاءين خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم . انتهى .
قلت : والظاهر هو ما قال الحافظ ، ففي رواية nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ في مصنفه . قالوا يا رسول الله إنك تتوضأ من بئر بضاعة .
الحديث ( من بئر بضاعة ) بضم الباء الموحدة وأجيز كسرها وبالضاد المعجمة وحكي بالصاد المهملة وهي بئر معروفة بالمدينة قاله ابن المالك ، وقال الطيبي نقلا عن التوربشتي : بضاعة دار بني ساعدة بالمدينة وهم بطن من الخزرج وأهل اللغة يضمون الباء ويكسرونها والمحفوظ في الحديث الضم .
( وهي بئر يلقى فيها الحيض ) بكسر الحاء المهملة وفتح التحتية جمع حيضة بكسر الحاء وسكون التحتية وهي الخرقة التي تستعمل في دم الحيض ( ولحوم الكلاب والنتن ) بفتح النون وسكون التاء وتكسر وهي الرائحة الكريهة ، والمراد هاهنا الشيء المنتن كالعذرة والجيفة .
قال ابن رسلان في شرح سنن أبي داود : وينبغي أن يضبط بفتح النون وكسر التاء وهو الشيء الذي له رائحة كريهة من قولهم نتن الشيء بكسر التاء ينتن بفتحها فهو نتن . انتهى .
[ ص: 170 ] قال الطيبي : معنى قوله يلقى فيها أن البئر كانت بمسيل من بعض الأودية التي يحتمل أن ينزل فيها أهل البادية فتلقى تلك القاذورات بأفنية منازلهم فيكسحها السيل فيلقيها في البئر فعبر عنه القائل بوجه يوهم أن الإلقاء من الناس لقلة تدينهم ، وهذا مما لا يجوزه مسلم ، فأنى يظن ذلك بالذين هم أفضل القرون وأزكاهم . انتهى .
قلت : كذلك قال غير واحد من أهل العلم وهو الظاهر المتعين .
( إن الماء طهور ) أي طاهر مطهر ، قال القاري في المرقاة : قيل الألف واللام للعهد الخارجي ، فتأويله إن الماء الذي تسألون عنه وهو ماء بئر بضاعة فالجواب مطابقي لا عموم كلي كما قاله الإمام مالك . انتهى . وإن كان الألف واللام للجنس فالحديث مخصوص بالاتفاق كما ستقف .
قال العلامة الشاه ولي الله الدهلوي في حجة الله البالغة : قوله صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=hadith&LINKID=750139الماء طهور لا ينجسه شيء معناه المعادن لا تنجس بملاقاة النجاسة إذا أخرجت ورميت ولم يتغير أحد أوصافه ولم تفحش ، وهل يمكن أن يظن ببئر بضاعة أنها كانت تستقر فيها النجاسات كيف وقد جرت عادة بني آدم بالاجتناب عما هذا شأنه فكيف يستقي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بل كانت تقع فيها النجاسات من غير أن يقصد إلقاؤها كما تشاهد من آبار زماننا ثم تخرج تلك النجاسات ، فلما جاء الإسلام سألوا عن الطهارة الشرعية الزائدة على ما عندهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=hadith&LINKID=750139الماء طهور لا ينجسه شيء يعني لا ينجس نجاسة غير ما عندكم . انتهى .
قوله : ( هذا حديث حسن وقد جود أبو أسامة هذا الحديث ) أي رواه بسند جيد وصححه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل nindex.php?page=showalam&ids=17336ويحيى بن معين nindex.php?page=showalam&ids=13064وأبو محمد بن حزم قاله الحافظ في التلخيص ، وزاد في البدر المنير والحاكم وآخرون من الأئمة الحفاظ .
فإن قلت : في سند هذا الحديث عبيد الله بن عبد الله بن رافع بن خديج وهو مستور كما قال الحافظ في التقريب ، فكيف يكون هذا الحديث صحيحا أو حسنا؟ قلت : صحح هذا الحديث nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل nindex.php?page=showalam&ids=17336ويحيى بن معين وهما إماما الجرح والتعديل ، [ ص: 171 ] وأيضا صحح هذا الحديث الحاكم وغيره ، وذكر ابن حبان عبيد الله هذا في الثقات ، فثبت أنه لم يكن عند هؤلاء الأئمة مستورا والعبرة لقول من عرف لا بقول من جهل .
فإن قلت : قال ابن القطان في كتابه الوهم والإيهام : إن في إسناده اختلافا فقوم يقولون : عبيد الله بن عبد الله بن رافع وقوم يقولون : عبد الله بن عبد الله بن رافع ، ومنهم من يقول : عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع ، ومنهم من يقول : عبد الله ، ومنهم من يقول : عن عبد الرحمن بن رافع فيحصل فيه خمسة أقوال ، وكيف ما كان فهو لا يعرف له حال ولا عين كذا في تخريج الهداية للزيلعي .
وقال الحافظ في التلخيص : وأعله ابن القطان بجهالة راويه عن أبي سعيد واختلاف الرواة في اسمه واسم أبيه .
قلت : أما إعلاله بجهالة الراوي عن أبي سعيد فليس بشيء فإنه إن جهله ابن القطان فقد عرفه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل nindex.php?page=showalam&ids=17336ويحيى بن معين وغيرهما ، وأما إعلاله باختلاف الرواة في اسمه واسم أبيه فهو أيضا ليس بشيء لأن اختلاف الرواة في السند أو المتن لا يوجب الضعف إلا بشرط استواء وجوه الاختلاف ، فمتى رجح أحد الأقوال قدم ولا يعل الصحيح بالمرجوح ، وهاهنا وجوه الاختلاف ليست مستوية بل رواية الترمذي وغيره التي وقع فيها عبيد الله بن عبد الله بن رافع بن خديج راجحة ، وباقي الروايات مرجوحة ، فإن مدار تلك الروايات على محمد بن إسحاق وهو مضطرب فيها ، وتلك الروايات مذكورة في سنن nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني ، فهذه الرواية الراجحة تقدم على تلك الروايات المرجوحة ولا تعل هذه بتلك .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14065الحازمي لا يعرف مجودا إلا من حديث nindex.php?page=showalam&ids=16052سماك بن حرب عن عكرمة ، وسماك مختلف فيه ، وقد احتج به مسلم كذا في التلخيص .
وأما حديث عائشة فأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في الأوسط وأبو يعلى nindex.php?page=showalam&ids=13863والبزار وأبو علي بن السكن في صحاحه من حديث شريك بلفظ nindex.php?page=hadith&LINKID=750140إن الماء لا ينجسه شيء ، ورواه أحمد من طريق أخرى صحيحة لكنه موقوف كذا في التلخيص .
اعلم أن بئر بضاعة كانت بئرا معروفة بالمدينة ولم تكن غديرا أو طريقا للماء إلى البساتين والدليل على ذلك أنها لو كانت غديرا أو طريقا للماء إلى البساتين لم تسم بئرا قال في القاموس : بئر بضاعة بالضم وقد يكسر بالمدينة ، قطر رأسها ستة أذرع . انتهى ، وقال في النهاية : هي بئر معروفة بالمدينة . انتهى ، وقال أبو داود في سننه : سمعت قتيبة بن سعيد قال : سألت قيم بئر بضاعة عن عمقها قال أكثر ما يكون الماء إلى العانة ، قلت : فإذا نقصت قال دون العورة ، قال أبو داود : وقدرت أنا بئر بضاعة بردائي مددته عليها ثم ذرعته فإذا عرضها ستة أذرع وسألت الذي فتح لي باب البستان فأدخلني إليه هل غير بناؤها؟ قال لا ، ورأيت فيها ماء متغير اللون . انتهى .
وأما قول صاحب الهداية : إن ماء بئر بضاعة كان جاريا بين البساتين وكذا زعم nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي أن بئر بضاعة كانت طريقا للماء إلى البساتين فغلط لا دليل عليه .
قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية : وقول صاحب الكتاب إن ماءها كان جاريا إلى البساتين هذا رواه nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي في شرح الآثار عن الواقدي ، فقال : أخبرنا أبو جعفر محمد بن أبي أحمد بن أبي عمران عن أبي عبد الله محمد بن شجاع الثلجي عن الواقدي قال : كانت بئر بضاعة طريقا للماء إلى البساتين . انتهى . وهذا سند ضعيف مرسل ومدلوله على جريانه غير ظاهر .
قال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في المعرفة : وزعم nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي أن بئر بضاعة كان ماؤها جاريا لا يستقر وأنها كانت طريقا إلى البساتين ونقل ذلك عن الواقدي ، nindex.php?page=showalam&ids=15472والواقدي لا يحتج بما يسند فضلا عما يرسله . وحال بئر بضاعة مشهور بين أهل الحجاز بخلاف ما حكاه . انتهى ما في نصب الراية . وقال الحافظ ابن حجر في الدراية : وأما قوله : إن ماء بئر بضاعة كان جاريا بين البساتين فهو كلام مردود على من قاله وقد سبق إلى دعوى ذلك وجزم به nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي ، فأخرج عن أبي جعفر بن أبي عمران عن nindex.php?page=showalam&ids=16974محمد بن شجاع الثلجي عن الواقدي قال : كانت بئر بضاعة طريقا للماء إلى البساتين ، وهذا إسناد واه جدا ، ولو صح لم يثبت به المراد لاحتمال أن يكون المراد أن الماء كان ينقل منها بالسانية إلى البساتين ولو كانت سيحا جاريا لم تسم بئرا . انتهى كلام الحافظ .
[ ص: 173 ] قلت : العجب من nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي أنه أسنده من طريق nindex.php?page=showalam&ids=16974محمد بن شجاع الثلجي عن الواقدي وجزم به ، nindex.php?page=showalam&ids=16974ومحمد بن شجاع الثلجي كذاب ، قال الذهبي في الميزان : nindex.php?page=showalam&ids=16974محمد بن شجاع الثلجي الفقيه البغدادي أبو عبد الله صاحب التصانيف ، قال nindex.php?page=showalam&ids=13357ابن عدي كان يضع الحديث في التشبيه وينسبها إلى أهل الحديث يثلبهم بذلك ، قال الذهبي : جاء من غير وجه أنه كان ينال من أحمد وأصحابه يقول أيش قام به أحمد ، وقال زكريا الساجي : nindex.php?page=showalam&ids=16974محمد بن شجاع كذاب احتال في إبطال الحديث نصرة للرأي . انتهى كلام nindex.php?page=showalam&ids=14324الحافظ الذهبي . nindex.php?page=showalam&ids=15472والواقدي متروك قد استقر الإجماع على وهنه ، ومع هذا لم يدرك عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا عصر الصحابة رضي الله عنهم فإنه مات سنة سبع ومائتين ولم يذكر من أخذ هذا عنه فكيف يعبأ بقوله هذا .
ثم قول الواقدي هذا معارض بقوله الآخر فحكى nindex.php?page=showalam&ids=13898البلاذري في تاريخه عن الواقدي أنه قال تكون بئر بضاعة سبعا في سبع وعيونها كثيرة فهي لا تنزح . انتهى .
الفائدة الثانية :
حديث الباب قد استدل به الظاهرية على ما ذهبوا إليه من أن الماء لا يتنجس مطلقا وإن تغير لونه أو طعمه أو ريحه بوقوع النجاسة فيه ، وأما غيرهم فكلهم خصصوه ، أما المالكية فبحديث أبي أمامة مرفوعا : nindex.php?page=hadith&LINKID=750140إن الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه أخرجه ابن ماجه . ومذهبهم أن الماء لا يتنجس إلا ما تغير لونه أو طعمه أو ريحه ، وأما الشافعية فبحديث القلتين وهو حديث صحيح كما ستعرف ، ومذهبهم أن الماء إن كان قلتين لا يتنجس إلا إن تغير ريحه أو طعمه أو لونه وإن كان دون القلتين يتنجس وإن لم يتغير أحد أوصافه ، وأما الحنفية فبالرأي ، ولهم في هذا الباب اثنا عشر مذهبا : الأول التحديد بالتحريك ، قال الإمام محمد في موطئه ص 66 إذا كان الحوض عظيما إن حركت منه ناحية لم تتحرك به الناحية الأخرى لم يفسد ذلك الماء ما ولغ فيه سبع ولا ما وقع فيه من قذر إلا أن يغلب على ريح أو طعم ، فإذا كان حوضا صغيرا إن حركت منه ناحية تحركت الناحية الأخرى فولغ فيه السباع أو وقع فيه القذر لا يتوضأ منه ، قال وهذا كله قول أبي حنيفة . انتهى كلامه . قلت : وهو مذهب أصحابه القدماء ، والثاني التحديد بالكدرة ، والثالث التحديد بالصبغ ، والرابع التحديد بالسبع في السبع ، والخامس التحديد بالثمانية في الثمانية ، والسادس : عشرين في عشرين ، والسابع : العشر في العشر ، وهو مذهب جمهور الحنفية المتأخرين ، والثامن : خمسة عشر في خمسة عشر ، والتاسع : اثنا عشر في اثني عشر ، قال صاحب التعليق الممجد بعد ذكر مذهب الظاهرية ومذهب المالكية ومذهب الشافعية وهذه المذاهب الاثني عشر للحنفية ما لفظه : ولقد [ ص: 174 ] خضت في بحار هذه المباحث وطالعت لتحقيقها كتب أصحابنا - يعني الحنفية - وكتب غيرهم المعتمدة فوضح لنا ما هو الأرجح منها وهو الثاني - يعني مذهب المالكية - ثم الثالث - يعني مذهب الشافعية - ثم الرابع وهو مذهب قدماء أصحابنا وأئمتنا ، والباقية مذاهب ضعيفة . انتهى كلامه .
قلت : والمذهب الرابع أعني مذهب قدماء الحنفية أيضا ضعيف لم يقم عليه دليل صحيح . فإن قلت : قد احتج الإمام محمد على هذا المذهب بما رواه بإسناده أن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج في ركب فيهم عمرو بن العاص حتى وردوا حوضا فقال عمرو بن العاص يا صاحب الحوض هل ترد حوضك السباع؟ فقال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب يا صاحب الحوض لا تخبرنا فإنا نرد على السباع وترد علينا ، قال الحنفية إن غرض عمر من قوله : لا تخبرنا أنك لو أخبرتنا لضاق الحال فلا تخبرنا فإنا نرد على السباع وترد علينا ولا يضرنا ورودها عند عدم علمنا ولا يلزمنا الاستفسار من ذلك . ولو كان سؤر السباع طاهرا لما منع صاحب الحوض عن الإخبار ؛ لأن إخباره لا يضر ، قالوا : والحوض كان صغيرا يتنجس بملاقاة النجاسة وإلا فلو كان كبيرا لما سأل ، فكيف قلتم : إن المذهب الرابع لم يقم عليه دليل صحيح .
قلت : يحتمل أن يكون غرض عمر من قوله : لا تخبرنا أن كل ذلك عندنا سواء أخبرتنا أو لم تخبرنا فلا حاجة إلى إخبارك ، وعلى هذا حمل المالكية والشافعية قوله : لا تخبرنا لم يقم وإذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال ثم هذا الاستدلال موقوف على نجاسة سئور السباع وهي ليست بمتفق عليها بل المالكية والشافعية قائلون بطهارته . وقد ورد بذلك بعض الأحاديث المرفوعة .
وروى nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني في سننه عن جابر nindex.php?page=hadith&LINKID=873217قيل يا رسول الله أنتوضأ بما أفضلت الحمر؟ قال : نعم وبما أفضلت السباع وهذه الأحاديث تؤيد ما قال المالكية والشافعية من أن غرض عمر من قوله " لا تخبرنا " أن كل ذلك عندنا سواء أخبرتنا أو لم تخبرنا فلا حاجة إلى إخبارك فتفكر . والحاصل : أن الاستدلال بقول عمر المذكور على المذهب الرابع ليس بمستقيم ، على أنه ليس فيه ما يدل على ما في المذهب الرابع من التحريك وتحديده .
[ ص: 175 ] فإن قلت : كيف قلتم : إن المذهب الرابع أيضا ضعيف لم يقم عليه دليل صحيح ، وقد أقام عليه الحنفية دلائل من الكتاب والسنة .
قال صاحب البحر الرائق : استدل أبو حنيفة على ما ذكره الرازي في أحكام القرآن بقوله تعالى ويحرم عليهم الخبائث والنجاسات لا محالة من الخبائث فحرمها الله تعالى تحريما مبهما ولم يفرق بين حالة اختلاطها وانفرادها بالماء فوجب تحريم كل ما تيقنا فيه جزءا من النجاسة ويكون جهة الحظر من النجاسة أولى من جهة الإباحة لأن الأصل أنه إذا اجتمع المحرم والمبيح قدم المحرم ، ويدل عليه من السنة قوله صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=hadith&LINKID=750143لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل فيه من الجنابة وفي لفظ آخر : nindex.php?page=hadith&LINKID=750144ولا يغتسل فيه من جنابة . ومعلوم أن البول القليل في الماء الكثير لا يغير لونه ولا طعمه ولا رائحته ، ويدل أيضا قوله عليه الصلاة والسلام nindex.php?page=hadith&LINKID=873220إذا استيقظ أحدكم من منامه فليغسل يده ثلاثا قبل أن يدخلها في الإناء فإنه لا يدري أين باتت يده فأمر بغسل اليد احتياطا من نجاسة أصابته من موضع الاستنجاء ، ومعلوم أنها لا تغير الماء ولولا أنها مفسدة عند التحقيق لما كان للأمر بالاحتياط معنى ، وحكم النبي صلى الله عليه وسلم ، بنجاسته بولوغ الكلب بقوله nindex.php?page=hadith&LINKID=750145طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسل سبعا وهو لا يغير وهذا كلام الرازي . والحاصل أنه حيث غلب على الظن وجود نجاسة في الماء لا يجوز استعماله لهذه الدلائل لا فرق بين أن يكون قلتين أو أكثر أو أقل تغير أو لا وهذا هو مذهب أبي حنيفة والتقدير بشيء دون شيء لا بد من نص ولم يوجد . انتهى كلام صاحب البحر الرائق . وقال أيضا : وما صرنا إليه يشهد له الشرع والعقل ، أما الشرع فقد قدمنا الأحاديث الواردة في ذلك ، وأما العقل فإنه إذا لم يتيقن بعدم النجاسة إلى الجانب الآخر أو يغلب على ظننا - والظن كاليقين - فقد استعملت الماء الذي فيه نجاسة يقينا ، nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة لم يقدر ذلك بشيء بل اعتبر غلبة ظن المكلف فهذا دليل عقلي مؤيد بالأحاديث الصحيحة المتقدمة ، فكان العمل به متعينا . انتهى .
قلت : هذه الدلائل كلها غير مفيدة : أما الاستدلال بآية ويحرم عليهم الخبائث فلأن هذه الآية تفيد تحريم أكل الخبائث لا مطلق استعمالها ، بقرينة ما قبله ، وهو قوله تعالى ويحل لهم الطيبات فإن الحل والحرمة غالبا يستعملان في المأكولات ولذا فسر المفسرون الخبائث بالميتة والدم والخنزير وأمثال ذلك ، فالمعنى يحل لهم أكل الطيبات ويحرم أكل الخبائث فإذن لا تفيد الآية إلا حرمة النجاسة المخلوطة بالماء أكلا لا حرمة مطلق استعمالها ، ولئن سلمنا أن المراد تحريم [ ص: 176 ] استعمال مطلق النجاسة فلا يفيد أيضا إذ الماء سيال بالطبع مغير لما اختلط به إلى نفسه إذا غلب عليه فإذا وقعت النجاسة في ماء ولم يغلب ريحه أو لونه أو طعمه عليه حصل العلم بأن تلك النجاسة فيه قد تغيرت إلى طبيعة الماء الغالب ولم تبق نجاسة وخبيثة فينبغي الوضوء حينئذ سواء تحرك جانب منه بتحريك جانب منه أو لم يتحرك بخلاف ما إذا غلب ريحه أو طعمه أو لونه فإنه لم يعلم مغلوبية الماء وبقاء النجاسة على حالها فلا يجوز الوضوء ، وأما الاستدلال بحديث لا يبولن فلأنه بعد تسليم دلالته على التحريم والتنجس إنما يفيد تنجس الماء الدائم في الجملة لا على تنجس كل ماء ، ولو حمل على الكلية للزم تنجس الحوض الكبير أيضا بالبول ولا قائل به ، وكذا الاستدلال بحديث الاستيقاظ فإنه لا يدل إلا على تنجس الماء في الجملة لا على الكلية ، فلا ينتهض هذا وأمثاله إلا إلزاما على من قال بالطهارة مطلقا لا تحقيقا لمذهب أبي حنيفة ، وكذا حديث ولوغ الكلب وأمثاله .
وأما شهادة العقل فتعارضه شهادة أخرى وهي ما مر من كون الماء مغيرا إلى نفسه ، وبالجملة فهذه الدلائل لا تثبت التحديد بالتحريك ، وأما التحديد بالقلتين فقد ثبت من كلام الشارع بنفسه ، وكذا التحديد بالتغير وعدمه ثابت من كلام الشارع ومؤيد بشهادة العقل أيضا ، والقياسات العقلية والاستنباطات الفقهية من الآيات المبهمة والأحاديث المطلقة لا تعارض هذه التحديدات المصرحة ، كذا أجاب صاحب السعاية حاشية شرح الوقاية وهو من العلماء الحنفية . وقد أجاد وأصاب ثم قال : والذي أظن أن هذه الأخبار لم تصل إلى الإمام أبي حنيفة أو وصلته وحملها على معنى لاح له وإلا لقال بها حتما ولم يحتج إلى الاستنباط قطعا ، ولقوة دليل الشافعية والمالكية في هذا الباب جوز أصحابنا تقليدهم في ذلك ، بل قلدهم أبو يوسف في بعض الوقائع مع كونه مجتهدا ، وقد صرحوا بأن المجتهد يحرم عليه التقليد كما في الطريقة المحمدية وشرحها الحديقة الندية ، وقد جوز أئمتنا الحنفية الأخذ في باب الطهارة بمذهب الغير ولو كان الأخذ بعد صدور الفعل فاسدا في مذهبه ، كما حكي أن أبا يوسف اغتسل ليوم الجمعة وصلى بالناس إماما ببغداد فوجدوا في البئر الذي اغتسل من مائه فأرة ميتة فأخبر بذلك فقال : نأخذ بقول إخواننا من أهل المدينة تمسكا بالحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال nindex.php?page=hadith&LINKID=873222إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا . كذا في التتارخانية وغيرها ، ولعل حرمة التقليد للمجتهد مقيدة بما إذا لم يكن ما قلده حكما قويا موافقا للقياس داخلا في ظاهر النص ، فإذا كان حكما ضعيفا مخالفا للقياس غير داخل في ظاهر النص يحرم تقليد المجتهد فيه لمجتهد آخر وهذه المسألة الحكم فيها قوي لأن عدم التغير بوقوع النجاسة دليل على بقاء الطهارة موافق للقياس داخل في ظاهر النص وهو حديث القلتين . انتهى كلامهما ملخصا . [ ص: 177 ] انتهى كلام صاحب السعاية .
الفائدة الثالثة :
تمسك الظاهرية بحديث الباب على أن البئر لا تتنجس بوقوع النجاسة فيها قليلا كان الماء فيها أو كثيرا تغير لونه أو طعمه أو ريحه أو لم يتغير ، وقد عرفت أن حديث الباب وما في معناه ليس على إطلاقه وعمومه بل هو مخصوص بأحاديث أخرى صحيحة .
والثالث : أن الماء في البئر إن كان دون القلتين يتنجس وإن كان قدر القلتين فصاعدا لا يتنجس إلا إذا تغير لونه أو طعمه أو ريحه وهو مذهب الشافعية ، وتمسكوا بحديث القلتين وهو المذهب الراجح وبه عمل الإمام أبو يوسف في بغداد كما عرفت أن أبا يوسف اغتسل يوم الجمعة وصلى بالناس إماما ببغداد فوجدوا في البئر الذي اغتسل من مائه فأرة ميتة فأخبر بذلك فقال نأخذ بقول إخواننا من أهل المدينة تمسكا بالحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=873222إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا كذا في التتارخانية وغيرها .
والرابع : إن كان غديرا عظيما بحيث لا يتحرك أحد طرفيه بتحريك الآخر لم يتنجس وإلا يتنجس وهو مذهب المتقدمين من الحنفية .
الخامس : إن كان عشرا في عشر لا يتنجس وإلا يتنجس وهو مسلك أكثر المتأخرين من الحنفية ، وقد مر في الفائدة الثانية أن للحنفية في الماء أربعة عشر مذهبا فكلها تجري هاهنا .
وهاهنا مذهب آخر زائد على ما مر خاص بالآبار وهو : ما روي عن محمد أنه قال اجتمع رأيي ورأي أبي يوسف على أن ماء البئر في حكم الماء الجاري لأنه ينبع من أسفله ويؤخذ من أعلاه فهو كحوض الحمام يصب من جانب ويخرج من جانب آخر فلا يتنجس ، كذا نقله في الغنية وفتح القدير وغيرهما .
ثم إذا تنجس ماء البئر هل يطهر بنزح الماء أم لا؟ فقال بشر المريسي : إنه لا يطهر أبدا لأنه وإن نزح جميع ما فيها يبقى الطين والحجارة نجسا فيتنجس الماء الجديد فلا سبيل إلى طهارته . كذا حكاه ابن الهمام والعيني وغيرهما عنه ، وقال غير بشر المريسي من أهل العلم يطهر البئر بنزح الماء .
[ ص: 178 ] واستدل الحنفية على تنجس ماء البئر وإن كان زائدا على قدر القلتين وطهارته بنزح الماء : بما رواه nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي nindex.php?page=showalam&ids=12508وابن أبي شيبة عن عطاء أن حبشيا وقع في زمزم فمات فأمر ابن الزبير فنزح ماءها فجعل الماء لا ينقطع فنظر فإذا عين تجري من قبل الحجر الأسود فقال ابن الزبير : حسبكم ، قالوا إسناد هذا الأثر صحيح ويردون به حديث القلتين .
قلت : سلمنا أن إسناده صحيح لكن قد تقرر أن صحة الإسناد لا تستلزم صحة المتن ، ولو سلم صحة المتن فيحتمل أن يكون نزح لنجاسة ظهرت على وجه الماء أو تطييبا للقلوب وتنظيفا للماء ، فإن زمزم للشرب لا من جهة الوجوب الشرعي ، وقد اعترف به صاحب السعاية من الحنفية حيث قال فيها : ص 422 وما روي عنهم من النزح لا يدل على النجاسة بل يحتمل التنظيف والتنزه . انتهى ، وأما ما قال صاحب الجوهر النقي من أن الراوي جعل علة نزحها موته دون غلبة دمه لقوله : مات فأمر أن تنزح كقوله : زنى ماعز فرجم . انتهى . ففيه نظر ، فإنه ليس فيه دليل على أن الموت كان علة للنزح ، إنما فيه أن الزنجي مات في زمزم فأمر بعد ذلك أن تنزح ، وأما أن علة النزح هل هي الموت أو أمر آخر فلا يدل عليه لفظ " مات فأمر أن تنزح " كما قال nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي في شرح الآثار : ليس في حديث nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء وثوبان : قاء فأفطر دليل على أن القيء كان مفطرا له إنما فيه أنه قاء فأفطر بعد ذلك . انتهى . وقال الشيخ العلامة محدث الهند الشاه ولي الله في كتابه حجة الله البالغة ص 142 ج 1 : وقد أطال القوم في فروع موت الحيوان في البئر والعشر في العشر والماء الجاري وليس في كل ذلك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ألبتة ، وأما الآثار المنقولة عن الصحابة والتابعين كأثر ابن الزبير في الزنجي وعلي في الفأرة والنخعي nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي في نحو السنور فليست مما يشهد له المحدثون بالصحة ولا مما اتفق عليه جمهور أهل القرون الأولى ، وعلى تقدير صحتها يمكن أن يكون ذلك تطييبا للقلوب وتنظيفا للماء لا من جهة الوجوب الشرعي كما ذكر في كتب المالكية ، ودون نفي هذا الاحتمال خرط القتاد . وبالجملة فليس في هذا الباب شيء يعتد به ويجب العمل عليه ، وحديث القلتين أثبت من ذلك كله بغير شبهة ، ومن المحال أن يكون الله تعالى شرع في هذه المسائل لعباده شيئا زيادة على ما لا ينفكون عنه من الارتفاقات وهي مما يكثر وقوعه وتعم به البلوى ثم لا ينص عليه النبي صلى الله عليه وسلم نصا جليا ولا يستفيض في الصحابة ومن بعدهم ولا حديث واحد فيه . انتهى كلامه . وقال الحافظ ابن حجر في الدراية : روى nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي من طريق ابن عيينة : كنت أنا بمكة منذ سبعين سنة لم أر صغيرا ولا كبيرا يعرف حديث الزنجي ولا سمعت أحدا يقول نزحت زمزم ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي إن ثبت هذا عن ابن عباس فلعل نجاسته ظهرت على وجه الماء أو نزحها للتنظيف . انتهى . قال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في السنن الكبرى بعد ذكر قول nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وابن عيينة : وعن أبي عبيدة [ ص: 179 ] قال : وكذلك لا ينبغي لأن الآثار جاءت في نعتها أنها لا تنزح ولا تذم . انتهى . قلت فهذه الآثار أيضا تخدش في صحة واقعة نزح زمزم فإن صحتها تخالف قوله لا تنزح ، وكذلك تخالف قوله لا تذم ، فأي مذمة لزمزم تكون أقبح من أن يكون ماؤها نجسا خبيثا . فإن قلت أجاب عن ذلك صاحب الجوهر النقي حيث قال : ليس فيه أن ابن عباس وابن الزبير قدرا على استئصال الماء بالنضح حتى يكون مخالفا للآثار التي ذكرها أبو عبيد بل صرح في رواية ابن أبي شيبة بأن الماء لم ينقطع ، وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي بأن العين غلبتهم حتى دست بالقباطي والمطارف . انتهى . قلت : ظن صاحب الجوهر النقي أن نزح البئر لا يكون إلا باستئصال مائها وليس كذلك ، ففي القاموس نزح البئر : استقى ماءها حتى ينفد أو يقل . انتهى .
وأما قول بعضهم : عدم علمهما لا يصح دليلا ، فإنهما لم يدركا ذلك الوقت وبينه وبينهما قريب من مائة وخمسين سنة .
ففيه : أن وقوع الزنجي في زمزم وموته فيها ثم نزحها من الوقائع العظام والحوادث الجسام فلو كان هذا صحيحا لم يكن في ذلك الوقت نسيا منسيا بحيث لا يعرفه أحد من أهل مكة لا صغير ولا كبير إذ بعيد كل البعد أن يحدث مثل هذه الحادثة بمكة في زمن ابن عباس وابن الزبير وهما من صغار الصحابة ثم لا يعرفه أحد من أهل مكة في زمن سفيان بن عيينة وهو من أوساط التابعين ، ولو سلم ثبوت واقعة نزح زمزم فلا تدل على أن نزحها كان لنجاسة كما قد عرفت .