قوله : ( بعثته ) أي nindex.php?page=showalam&ids=16845كريبا ( واستهل علي رمضان ) بضم التاء من استهل قاله النووي يعني بصيغة المجهول ( فرأينا الهلال ) وفي رواية مسلم : فرأيت الهلال ( فقال : أنت رأيته ليلة الجمعة [ ص: 307 ] فقلت : رآه الناس وصاموا وصام معاوية ) وفي رواية مسلم : فقال : أنت رأيته؟ فقلت : نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية ( فقال : لكن رأيناه ) أي فقال ابن عباس : لكن رأيناه ( حتى نكمل ) من الإكمال أو التكميل ( فقلت : ألا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ قال : لا إلخ ) هذا بظاهره يدل على أن لكل أهل بلد رؤيتهم ولا تكفي رؤية أهل بلد لأهل بلد آخر .
قال النووي في شرح مسلم : والصحيح عند أصحابنا أن الرؤية لا تعم الناس ، بل تختص بمن قرب على مسافة لا تقصر فيها الصلاة ، وقيل : إن اتفق المطلع لزمهم وإن اتفق الإقليم وإلا فلا . وقال بعض أصحابنا : تعم الرؤية في موضع جميع أهل الأرض ، فعلى هذا تقول : إنما لم يعمل ابن عباس بخبر كريب ؛ لأنه شهادة فلا تثبت بواحد ، لكن ظاهر حديثه أنه لم يرده لهذا وإنما رده ؛ لأن الرؤية لا يثبت حكمها في حق البعيد ، انتهى .
قوله : ( حديث ابن عباس حديث حسن صحيح ) وأخرجه مسلم .
قوله : ( والعمل على هذا عند أهل العلم أن لكل أهل بلد رؤيتهم ) ظاهر كلام الترمذي هذا أنه ليس في هذا اختلاف بين أهل العلم . والأمر ليس كذلك .
قال الحافظ في الفتح : قد اختلف العلماء في ذلك على مذاهب :
أحدها : لأهل كل بلد رؤيتهم ، وفي صحيح مسلم من حديث ابن عباس ما يشهد له ، وحكاه ابن المنذر عن عكرمة والقاسم وسالم وإسحاق ، وحكاه الترمذي عن أهل العلم ولم يحك سواه ، وحكى nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي وجها للشافعية .
ثانيها مقابله : إذا رؤي ببلدة لزم أهل البلاد كلها وهو المشهور عند المالكية ، لكن حكى nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر الإجماع على خلافه ، وقال : أجمعوا على أنه لا تراعى الرؤية فيما بعد من البلاد كخراسان والأندلس .
قال القرطبي : قد قال شيوخنا : إذا كانت رؤية الهلال ظاهرة قاطعة بموضع ثم نقل إلى غيرهم بشهادة اثنين لزمهم الصوم .
وقال ابن الماجشون : لا يلزمهم بالشهادة إلا [ ص: 308 ] لأهل البلد الذي ثبتت فيه الشهادة إلا أن يثبت عند الإمام الأعظم فيلزم الناس كلهم ؛ لأن البلاد في حقه كالبلد الواحد إذ حكمه نافذ في الجميع .
وقال بعض الشافعية : إن تقاربت البلاد كان الحكم واحدا ، وإن تباعدت فوجهان : لا يجب عند الأكثر ، واختار أبو الطيب وطائفة الوجوب ، وحكاه البغوي عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . وفي ضبطه البعد أوجه :
أحدها : اختلاف المطالع ، قطع به العراقيون والصيدلاني وصححه النووي في الروضة وشرح المهذب .
ثانيها : مسافة القصر ، قطع به الإمام البغوي وصححه الرافعي في الصغير والنووي في شرح مسلم .
ثالثها : اختلاف الأقاليم .
رابعها : حكاه السرخسي فقال : يلزم كل بلد لا يتصور خفاؤه عنهم بلا عارض دون غيرهم .
خامسها : قول ابن ماجشون المتقدم ، انتهى كلام الحافظ .
قال الشوكاني في النيل بعد ذكر الأقوال التي ذكرها الحافظ ما لفظه : وحجة أهل هذه الأقوال حديث كريب هذا ، ووجه الاحتجاج به أن ابن عباس ، لم يعمل برؤية أهل الشام وقال في آخر الحديث : هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدل ذلك على أنه قد حفظ من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه لا يلزم أهل بلد العمل برؤية أهل بلد آخر . واعلم أن الحجة إنما هي في المرفوع من رواية ابن عباس لا في اجتهاده الذي فهم عنه الناس والمشار إليه بقوله : هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو قوله : " nindex.php?page=hadith&LINKID=751414فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين " ، والأمر الكائن من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو ما أخرجه الشيخان وغيرهما بلفظ : " nindex.php?page=hadith&LINKID=751415لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين " ، وهذا لا يختص بأهل ناحية على جهة الانفراد ، بل هو خطاب لكل من يصلح له من المسلمين ، فالاستدلال به على لزوم رؤية أهل بلد لغيرهم من أهل البلاد أظهر من الاستدلال به على عدم اللزوم ؛ لأنه إذا رآه أهل بلد فقد رآه المسلمون فيلزم غيرهم ما لزمهم .
ولو سلم توجه الإشارة في كلام ابن عباس إلى عدم لزوم رؤية أهل بلد لأهل بلد آخر ، لكان عدم اللزوم مقيدا بدليل العقل وهو أن يكون بين القطرين من البعد ما يجوز معه اختلاف المطالع .
[ ص: 309 ] وعدم عمل ابن عباس برؤية أهل الشام مع عدم البعد الذي يمكن معه الاختلاف عمل بالاجتهاد وليس بحجة ، ولو سلم عدم لزوم التقييد بالعقل فلا يشك أن الأدلة قاضية بأن أهل الأقطار يعمل بعضهم بخبر بعض ، وشهادته في جميع الأحكام الشرعية والرؤية من جملتها ، وسواء كان بين القطرين من البعد ما يجوز معه اختلاف المطالع أم لا ، فلا يقبل التخصيص إلا بدليل . ولو سلم صلاحية حديث كريب هذا للتخصيص فينبغي أن يقتصر فيه على محل النص إن كان النص معلوما أو على المفهوم منه إن لم يكن معلوما لوروده على خلاف القياس ، ولم يأت ابن عباس بلفظ النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا بمعنى لفظه حتى ننظر في عمومه وخصوصه ، إنما جاء بصيغة مجملة أشار بها إلى قصة هي عدم عمل أهل المدينة برؤية أهل الشام على تسليم أن ذلك المراد ، ولم نفهم منه زيادة على ذلك حتى نجعله مخصصا لذلك العموم ، فينبغي الاقتصار على المفهوم من ذلك الوارد على خلاف القياس وعدم الإلحاق به ، فلا يجب على أهل المدينة العمل برؤية أهل الشام دون غيرهم ، ويمكن أن يكون في ذلك حكمة لا نعقلها . ولو تسلم صحة الإلحاق وتخصيص العموم به ، فغايته أن يكون في المحلات التي بينها من البعد ما بين المدينة والشام أو أكثر ؛ وأما في أقل من ذلك فلا ، وهذا ظاهر فينبغي أن ينظر ما دليل من ذهب إلى اعتبار البريد أو الناحية أو البلد في المنع من العمل بالرؤية . والذي ينبغي اعتماده هو ما ذهب إليه المالكية وحكاه القرطبي عن شيوخه أنه إذا رآه أهل بلد لزم أهل البلاد كلها ، ولا يلتفت إلى ما قاله nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر من أن هذا القول خلاف الإجماع ، قال : لأنهم قد أجمعوا على أنه لا تراعى الرؤية فيما بعد من البلدان كخراسان والأندلس ، وذلك لأن الإجماع لا يتم والمخالف مثل هؤلاء الجماعة ، انتهى كلام الشوكاني فتفكر وتأمل .