( باب ما جاء في ليلة النصف من شعبان ) هي الليلة الخامسة عشر من شعبان وتسمى ليلة البراءة ، وذكر هذا الباب هنا استطراد لذكر شعبان وإلا فالكلام في الصيام ، قاله أبو الطيب المدني .
قوله : ( فقدت ) أي لم أجده قال في النهاية : فقدت الشيء أفقده إذا غاب عنك ( ليلة ) من ليالي تعني الليلة التي كان فيها عندي ( فإذا هو بالبقيع ) أي واقف فيه ، والمراد بالبقيع بقيع الغرقد وهو موضع بظاهر المدينة فيه قبور أهلها كان به شجر الغرقد فذهب وبقي اسمه ، كذا في النهاية ( أن يحيف ) أي يجور ويظلم ( الله عليك ورسوله ) ذكر الله تنويها لعظم شأنه عند ربه على [ ص: 365 ] حد إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله قال الطيبي : أو تزيينا للكلام وتحسينا ، أو حكاية لما وقع في الآية أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله وإشارة إلى التلازم بينهما كالإطاعة والمحبة ، قال : يعني ظننت أني ظلمتك بأن جعلت من نوبتك لغيرك ، وذلك مناف لمن تصدى بمنصب الرسالة .
( قلت : يا رسول الله ، ظننت أنك أتيت بعض نسائك ) أي زوجاتك لبعض مهماتك فأردت تحقيقها وحملني على هذا الغيرة الحاصلة للنساء التي تخرجهن عن دائرة العقل وحائزة التدبر للعاقبة من المعاتبة أو المعاقبة ، والحاصل أني ما ظننت أن يحيف الله ورسوله علي أو على غيري ، بل ظننت أنك بأمر من الله أو باجتهاد منك خرجت من عندي لبعض نسائك ؛ لأن عادتك أن تصلي النوافل في بيتك كذا في المرقاة ( إلى سماء الدنيا ) وفي رواية ابن ماجه : إلى السماء الدنيا ( nindex.php?page=hadith&LINKID=751480فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب ) أي قبيلة بني كلب ، وخصهم لأنهم أكثر غنما من سائر العرب . نقل nindex.php?page=showalam&ids=13658الأبهري عن الأزهار أن المراد بغفران أكثر عدد الذنوب المغفورة لا عدد أصحابها وهكذا رواه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي ، انتهى ذكره القاري وفي المشكاة زاد رزين : ممن استحق النار .
قوله : ( وفي الباب عن nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق ) أخرجه البزار nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي بإسناد لا بأس به كذا في الترغيب والترهيب nindex.php?page=showalam&ids=16383للمنذري في باب الترهيب من التهاجر .
قوله : ( حديث عائشة لا نعرفه إلا من هذا الوجه ) وأخرجه ابن ماجه nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي ( وقال : nindex.php?page=showalam&ids=17330يحيى بن كثير لم يسمع من عروة إلخ ) فالحديث منقطع في موضعين : أحدهما ما بين الحجاج ويحيى . والآخر ما بين يحيى وعروة .
ومنها حديث معاذ بن جبل -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : " nindex.php?page=hadith&LINKID=751481يطلع الله إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن " ، قال المنذري في الترغيب بعد ذكره : رواه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في الأوسط nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان في صحيحه nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي ، ورواه ابن ماجه بلفظه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى الأشعري nindex.php?page=showalam&ids=13863والبزار nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- بنحوه بإسناد لا بأس به ، انتهى كلام المنذري . قلت : في سند حديث nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى الأشعري عند ابن ماجه عن لهيعة وهو ضعيف .
فهذه الأحاديث بمجموعها حجة على من زعم أنه لم يثبت في فضيلة ليلة النصف من شعبان شيء ، والله تعالى أعلم .
تنبيه :
اعلم أن المراد من ليلة مباركة في قوله تعالى : إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم عند الجمهور هي ليلة القدر ، وقيل هي ليلة النصف من شعبان ، وقول الجمهور هو الحق ، قال الحافظ ابن كثير : من قال : إنها ليلة النصف من شعبان فقد أبعد ، فإن نص القرآن أنها في رمضان ، انتهى .
وفي المرقاة شرح المشكاة قال جماعة من السلف : إن المراد في الآية هي ليلة النصف من شعبان إلا أن ظاهر القرآن ، بل صريحه يرده لإفادته في آية أنه نزل في رمضان وفي أخرى أنه نزل في ليلة القدر ولا تخالف بينهما ؛ لأن ليلة القدر من جملة رمضان ، وإذا ثبت أن هذا النزول ليلة القدر ثبت أن الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم في الآية هي ليلة القدر لا ليلة النصف من شعبان ، ولا نزاع في أن ليلة نصف شعبان يقع فيها فرق كما صرح به الحديث ، وإنما النزاع في أنها المرادة من الآية والصواب أنها ليست مرادة منها ، وحينئذ يستفاد من الحديث والآية وقوع ذلك الفرق في كل من الليلتين إعلاما لمزيد شرفها ، ويحتمل أن يكون الفرق في أحدهما إجمالا وفي الأخرى تفصيلا أو تخص إحداهما بالأمور الدنيوية والأخرى بالأمور الأخروية ، وغير ذلك من الاحتمالات العقلية ، انتهى .
تنبيه آخر :
قال القاري في المرقاة : اعلم أن المذكور في اللآلئ أن مائة ركعة في نصف شعبان بالإخلاص عشر مرات في كل ركعة مع طول فضله للديلمي وغيره موضوع ، وفي بعض الرسائل قال علي بن إبراهيم : ومما أحدث في ليلة النصف من شعبان الصلاة الألفية مائة ركعة بالإخلاص عشرا عشرا بالجماعة ، واهتموا بها أكثر من الجمع والأعياد ، لم يأت بها خبر ولا أثر إلا ضعيف أو موضوع ولا تغتر بذكر صاحب القوت والإحياء وغيرهما ، وكان للعوام بهذه الصلاة افتتان عظيم حتى التزم بسببها كثرة الوقيد وترتب عليه من الفسوق وانتهاك المحارم ما يغني عن وصفه حتى خشي الأولياء من الخسف وهربوا فيها إلى البراري .
وأول حدوث لهذه الصلاة بيت المقدس سنة ثمان وأربعين وأربعمائة ، قال : وقد جعلها جهلة أئمة المساجد مع صلاة الرغائب ونحوهما شبكة لجمع العوام وطلبا لرياسة التقدم وتحصيل الحطام ، ثم إنه أقام الله أئمة الهدى في سعي إبطالها فتلاشى أمرها وتكامل إبطالها في البلاد المصرية والشامية في أوائل سني المائة الثامنة . قيل : أول حدوث الوقيد من البرامكة وكانوا عبدة النار ، فلما أسلموا أدخلوا في الإسلام ما يموهون أنه من سنن الدين ، ومقصودهم عبادة النيران حيث ركعوا [ ص: 368 ] وسجدوا مع المسلمين إلى تلك النيران ولم يأت في الشرع استحباب زيادة الوقيد على الحاجة في موضع ، وما يفعله عوام الحجاج من الوقيد بجبل عرفات وبالمشعر الحرام وبمنى فهو من هذا القبيل .
وقد أنكر الطرسوسي الاجتماع ليلة الختم في التراويح ونصب المنابر وبين أنه بدعة منكرة . قال القاري -رحمه الله- : ما أفطنه وقد ابتلي به أهل الحرمين الشريفين حتى في ليالي الختم يحصل اجتماع من الرجال والنساء والصغار والعبيد ما لا يحصل في الجمعة والكسوف والعيد ، ويستقبلون النار ويستدبرون بيت الله الملك الجبار ، ويقفون على هيئة عبدة النيران في نفس المطاف حتى يضيق على الطائفين المكان ويشوشون عليهم وعلى غيرهم من الذاكرين والمصلين وقراء القرآن في ذلك الزمان ، فنسأل الله العفو والعافية والغفران والرضوان ، انتهى كلام القاري مختصرا .