( أبواب الحج عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم ) أصل الحج في اللغة القصد ، وقال الخليل : كثرة القصد إلى معظم ، وفي الشرع القصد إلى البيت الحرام بأعمال مخصوصة ، وهو بفتح المهملة وبكسرها لغتان ، نقل الطبري أن الكسر لغة أهل نجد والفتح لغيرهم ، ونقل عن nindex.php?page=showalam&ids=14129حسين الجعفي أن الفتح الاسم والكسر المصدر ، وعن غيره عكسه . ووجوب الحج معلوم من الدين بالضرورة ، وأجمعوا على أنه لا يتكرر إلا لعارض كالنذر ، واختلف هل هو على الفور أو التراخي ، وهو مشهور وفي وقت ابتداء فرضه اختلاف فقيل قبل الهجرة وهو شاذ ، وقيل بعدها ثم اختلف في سنته ، فالجمهور على أنها سنة ست ؛ لأنها نزل فيها قوله تعالى : وأتموا الحج والعمرة لله وهذا ينبئ على أن المراد بالإتمام ابتداء الفرض ويؤيده قراءة علقمة ومسروق nindex.php?page=showalam&ids=12354وإبراهيم النخعي بلفظ " وأقيموا " أخرجه الطبري بأسانيد صحيحة عنهم . وقيل المراد بالإتمام الإكمال بعد الشروع . وهذا يقتضي تقدم فرضه قبل ذلك ، وقد وقع في قصة ضمام ذكر الأمر بالحج وكان قدومه على ما ذكر الواقدي سنة خمس ، وهذا يدل إن ثبت على تقدمه على سنة خمس أو وقوعه فيها . قاله الحافظ في فتح الباري .
قوله : ( العدوي ) بفتح العين والدال ، وأبو شريح العدوي هذا هو الخزاعي الصحابي المشهور -رضي الله عنه- ( أنه قال لعمرو بن سعيد ) هو ابن العاصي بن سعيد بن العاص بن أمية القرشي الأموي يعرف بالأشدق وليست له صحبة ولا كان من التابعين بإحسان ( وهو ) أي [ ص: 452 ] عمرو ( يبعث البعوث ) أي يرسل الجيوش ، والبعث جماعة من الجند يرسلها الأمير إلى قتال فرقة وفتح بلاد ( إلى مكة ) لقتال عبد الله بن الزبير لكونه امتنع من مبايعة يزيد بن معاوية واعتصم بالحرم وكان عمرو والي يزيد على المدينة ، والقصة مشهورة ، وملخصها أن معاوية عهد بالخلافة بعده nindex.php?page=showalam&ids=17374ليزيد بن معاوية فبايعه الناس إلا الحسين بن علي وابن الزبير ، فأما ابن أبي بكر فمات قبل موت معاوية ، وأما ابن عمر فبايع ليزيد عقب موت أبيه ، وأما الحسين بن علي فسار إلى الكوفة لاستدعائهم إياه ليبايعوه فكان ذلك سبب قتله ، وأما ابن الزبير فاعتصم ، ويسمى عائذ البيت ، وغلب على أمر مكة ، فكان يزيد بن معاوية يأمر أمراءه على المدينة أن يجهزوا إليه الجيوش ، فكان آخر ذلك أن أجمع أهل المدينة على خلع يزيد من الخلافة .
( إيذن ) بفتح الذال وتبدل همزة الثانية بالياء عند الابتداء وهو أمر من الإذن بمعنى الإجازة ( أحدثك ) بالجزم وقيل بالرفع ( قولا ) أي حديثا ( قام به ) صفة للقول ، أي قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذلك القول خطيبا والمعنى حدث به ( الغد ) بالنصب أي اليوم الثاني من يوم الفتح ( سمعته أذناي ) بضم الذال وسكونها ، فيه إشارة إلى بيان حفظه له من جميع الوجوه أي حملته عنه بغير واسطة وذكر الأذنين للتأكيد ( ووعاه قلبي ) أي حفظه تحقيق لفهمه وتثبته ( وأبصرته عيناي ) يعني أن سماعه منه ليس اعتمادا على الصوت فقط ، بل مع المشاهدة ( أنه حمد الله إلخ ) هو بيان لقوله تكلم ( إن مكة حرمها الله تعالى ) أي جعلها محرمة معظمة قال الحافظ : أي حكم بتحريمها وقضاه ولا معارضة بين هذا وبين قوله في حديث أنس : إن إبراهيم حرم مكة ؛ لأن المعنى أن إبراهيم حرم مكة بأمر الله تعالى لا باجتهاده ، انتهى ( ولم يحرمها الناس ) أي من عندهم ، أي أن تحريمها كان بوحي من الله لا بإصلاح الناس ( أن يسفك ) بكسر الفاء وحكي ضمها وهو صب الدم والمراد به القتل ( بها ) أي بمكة ( أو يعضد ) بكسر الضاد المعجمة أي يقطع بالمعضد وهو آلة كالفأس ( فإن ) شرطية ( أحد ) فاعل فعل محذوف وجوبا يفسره ( ترخص ) نحو قوله تعالى : وإن أحد من المشركين استجارك ( ولم يأذن لك ) وبه تم جواب المترخص ، ثم ابتدأ وعطف على الشرط فقال ( وإنما أذن ) أي الله ( ساعة ) أي مقدار من الزمان والمراد به يوم الفتح .
وفي مسند أحمد من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن ذلك كان من طلوع الشمس إلى العصر ، والمأذون فيه [ ص: 453 ] القتال لا الشجر ( وقد عادت ) أي رجعت ( حرمتها اليوم ) أي يوم الخطبة المذكورة ( كحرمتها بالأمس ) أي ما عدا تلك الساعة ويمكن أن يراد بالأمس الزمن الماضي ( ما قال لك عمرو بن سعيد ) أي في جوابك ( قال ) أي عمرو ( بذلك ) أي الحديث أو الحكم ( يا أبا شريح ) يحتمل أن يكون النداء تتمة لما قبله أو تمهيدا لما بعده ( إن الحرم ) وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=12070للبخاري إن مكة ( لا يعيذ ) من الإعاذة أي لا يجير ولا يعصم ( عاصيا ) أي أن إقامة الحد عليه ( ولا فارا بدم ) أي هاربا عليه دم يعتصم بمكة كي لا يقتص منه ( ولا فارا بخربة ) قال الحافظ بفتح المعجمة وإسكان الراء ثم موحدة يعني السرقة كذا ثبت تفسيرها في رواية المستملي .
قال ابن بطال : الخربة بالضم الفساد وبالفتح السرقة ، وقد تصرف عمرو في الجواب وأتى بكلام ظاهره حق لكن أراد به الباطل . فإن الصحابي أنكر عليه نصب الحرب على مكة ، فأجابه بأنها لا تمنع من إقامة القصاص وهو صحيح . إلا أن ابن الزبير لم يرتكب أمرا يجب عليه فيه شيء من ذلك ، انتهى .
قوله : ( ويروى بخزية ) قال nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي في بعض الروايات بكسر الخاء وزاي ساكنة بعدها مثناة تحتية أي بشيء يخزى منه أي يستحى .
قوله : ( وفي الباب عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ) أخرجه الجماعة ( nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ) أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم .
قوله : ( حديث أبي شريح حديث حسن صحيح ) وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم أيضا .
قوله : ( يقول ) أي عمرو بن سعيد يعني يريد عمرو بقوله ولا فارا بخربة أي من جنى جناية أو أصاب دما ثم جاء إلى الحرم فإنه يقام عليه الحد ، وفيه اختلاف بين العلماء وقد بينه الحافظ في الفتح بالبسط والتفصيل من شاء الاطلاع عليه فليرجع إليه .