صفحة جزء
باب ما جاء في الكفارة قبل الحنث

1530 حدثنا قتيبة عن مالك بن أنس عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه وليفعل قال وفي الباب عن أم سلمة قال أبو عيسى حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن الكفارة قبل الحنث تجزئ وهو قول مالك بن أنس والشافعي وأحمد وإسحق وقال بعض أهل العلم لا يكفر إلا بعد الحنث قال سفيان الثوري إن كفر بعد الحنث أحب إلي وإن كفر قبل الحنث أجزأه
[ ص: 107 ] قوله : ( فليكفر عن يمينه وليفعل ) استدل به من جوز الكفارة قبل الحنث ، وفيه أن الواو لمطلق الجمع . نعم وقع في حديث أم سلمة الذي أشار إليه الترمذي لفظ ثم ولفظه " فليكفر عن يمينه ثم ليفعل الذي هو خير " أخرجه الطبراني ، وكذلك وقع لفظ ثم في حديث عبد الرحمن بن سمرة عند أبي داود ولفظه : " فكفر عن يمينك ثم ائت الذي هو خير " ، قال الحافظ في بلوغ المرام : إسناد هذه الرواية صحيح . قال الشوكاني : وأخرج نحوها أبو عوانة في صحيحه ، وأخرج الحاكم عن عائشة نحوها انتهى . فهذه الروايات تدل على جواز تقديم الكفارة على الحنث .

قوله : ( وفي الباب عن أم سلمة ) أخرجه الطبراني كما تقدم آنفا .

قوله : ( حديث أبي هريرة حسن صحيح ) وأخرجه أحمد ومسلم .

قوله : ( وهو قول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق ) قال ابن المنذر : رأى ربيعة والأوزاعي ومالك والليث وسائر فقهاء الأمصار غير أهل الرأي : أن الكفارة تجزئ قبل الحنث ، إلا أن الشافعي استثنى الصيام فقال : لا يجزئ إلا بعد الحنث . وقال أهل الرأي لا تجزئ الكفارة قبل الحنث . وعن مالك روايتان ، ووافق الحنفية أشهب من المالكية وداود الظاهري وخالفه ابن حزم ، واحتج الأولون بالروايات التي وقع فيها تقديم الكفارة على الحنث ، وبالروايات التي وقع فيها لفظ ثم وقد ذكرناها فيما تقدم . واحتج الطحاوي لما ذهب إليه أهل الرأي بقوله تعالى : ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم فإن المراد إذا حلفتم فحنثتم .

[ ص: 108 ] ورده مخالفوه فقالوا بل التقدير فأردتم الحنث . قال الحافظ : وأولى من ذلك أن يقال التقدير أعم من ذلك ، فليس أحد التقديرين بأولى من الآخر انتهى .

واحتجوا أيضا بأن ظاهر الآية أن الكفارة وجبت بنفس اليمين ، ورده من أجازها بأنها لو كانت بنفس اليمين لم تسقط عمن لم يحنث اتفاقا .

واحتجوا أيضا بأن الكفارة بعد الحنث فرض ، وإخراجها قبله تطوع ، فلا يقوم التطوع مقام المفروض .

وانفصل عنه من أجاز بأنه يشترط إرادة الحنث وإلا فلا تجزئ كما في تقديم الزكاة ، وذكر عياض وجماعة أن عدة من قال بجواز تقديم الكفارة أربعة عشر صحابيا ، وتبعهم فقهاء الأمصار إلا أبا حنيفة ، وقد عرفت مما سلف أن المتوجب العمل برواية الترتيب المدلول عليه بلفظ ثم . ولولا الإجماع على جواز تأخير الكفارة عن الحنث لكان ظاهر الدليل أن تقديم الكفارة واجب . قال المازري : للكفارة ثلاث حالات : أحدها قبل الحلف فلا تجزئ اتفاقا ، ثانيها بعد الحلف والحنث فتجزئ اتفاقا ، ثالثها بعد الحلف وقبل الحلف ففيها الخلاف وأحاديث الباب تدل على وجوب الكفارة مع إتيان الذي هو خير ، وفي حديث عمرو بن شعيب ما يدل على أن ترك اليمين وإتيان الذي هو خير هو الكفارة . وقال أبو داود إنه ما ورد من ذلك إلا ما لا يعبأ به . قال الحافظ : كأنه يشير إلى حديث يحيى بن عبيد الله عن أبي هريرة يرفعه " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير فهو كفارته " ، ويحيى ضعيف جدا . وقد وقع في حديث عدي بن حاتم عند مسلم ما يوهم ذلك فإنه أخرجه عنه بلفظ : " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليترك يمينه " ، هكذا أخرجه من وجهين ولم يذكر الكفارة ، ولكن أخرجه من وجه آخر بلفظ : " فرأى غيرها خيرا منها فليكفرها وليأت الذي هو خير " ، ومداره في الطرق كلها على عبد العزيز بن رفيع عن تميم بن طرفة عن عدي ، والذي زاد ذلك حافظ فهو المعتمد انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية