قوله : ( ما رأيت من ذي لمة ) بكسر اللام وتشديد الميم . قال الجزري في النهاية : الجمة من شعر الرأس ما سقط على المنكبين ، واللمة من شعر الرأس دون الجمة سميت بذلك لأنها ألمت بالمنكبين ، والوفرة من شعر الرأس إذا وصل إلى شحمة الأذن ( في حلة ) قال في القاموس : الحلة بالضم إزار ورداء برد أو غيره ولا تكون حلة إلا من ثوبين أو ثوب له بطانة انتهى . وقال النووي : الحلة هي ثوبان إزار ورداء ، قال أهل اللغة : لا تكون إلا ثوبين ، سميت بذلك ؛ لأن أحدهما يحل على الآخر ، وقيل : لا تكون الحلة إلا الثوب الجديد الذي يحل من طيه ( حمراء ) . قال ابن الهمام : الحلة الحمراء عبارة عن ثوبين من اليمن فيها خطوط حمر وخضر لا أنه أحمر بحت . وقال ابن القيم : غلط من ظن أنها كانت حمراء بحتا لا يخالطها غيرها ، وإنما الحلة الحمراء بردان يمانيان منسوجان بخطوط حمر مع الأسود كسائر البرود اليمانية وهي معروفة بهذا الاسم باعتبار ما فيها من الخطوط ، وإنما وقعت شبهة من لفظ الحلة الحمراء انتهى .
قال الشوكاني : ولا يخفاك أن الصحابي قد وصفها بأنها حمراء وهو من أهل اللسان ، والواجب الحمل على المعنى الحقيقي وهو الحمراء البحت ، والمصير إلى المجاز أعني كون بعضها أحمر دون بعض لا يحمل ذلك الوصف عليه إلا لموجب ، فإن أراد يعني ابن القيم أن ذلك معنى الحلة الحمراء لغة فليس في كتب اللغة ما يشهد لذلك وإن أراد أن ذلك حقيقة شرعية فيها ، فالحقائق الشرعية لا تثبت بمجرد الدعوى ، والواجب حمل مقالة ذلك الصحابي على لغة العرب ؛ لأنها لسانه ولسان قومه ، فإن قال : إنما فسرها بذلك التفسير للجمع بين الأدلة فمع كون كلامه آبيا عن ذلك لتصريحه بتغليط من قال إنها الحمراء البحت لا ملجئ إليه لإمكان الجمع بدونه مع أن [ ص: 319 ] حمله الحلة الحمراء على ما ذكر ينافي ما احتج به في أثناء كلامه من إنكاره صلى الله عليه وسلم على القوم الذين رأى على رواحلهم أكسية فيها خطوط حمر ، وفيه دليل على كراهية ما فيه الخطوط وتلك الحلة كذلك بتأويله انتهى ( له شعر يضرب منكبيه ) أي إذا تدلى شعره الشريف يبلغ منكبيه ( بعيد ما بين المنكبين ) بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف وروي مكبرا ومصغرا أي عريض أعلى الظهر . ووقع في حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عند ابن سعد : رحب الصدر ( ليس بالقصير ولا بالطويل ) أي المعيوبين . والحديث يدل على جواز لبس الثوب الأحمر للرجال ، ويدل على ذلك أيضا حديث nindex.php?page=showalam&ids=9473أبي جحيفة عند nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=755557رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة حمراء من أدم الحديث ، وفيه : nindex.php?page=hadith&LINKID=876440وخرج النبي صلى الله عليه وسلم في حلة حمراء مشمرا صلى إلى العنزة بالناس ركعتين إلخ . وحديث هلال بن عامر عن أبيه قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=755558رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى يخطب على بغلة وعليه برد أحمر وعلي أمامه يعبر عنه ، أخرجه أبو داود . قال الحافظ في الفتح : وإسناده حسن . nindex.php?page=showalam&ids=14687وللطبراني بسند حسن عن طارق المحاربي نحوه لكن قال بسوق المجاز ، وحديث جابر عند nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي : nindex.php?page=hadith&LINKID=876442أنه كان له صلى الله عليه وسلم ثوب أحمر يلبسه في العيدين والجمعة . وروى nindex.php?page=showalam&ids=13113ابن خزيمة في صحيحه نحوه بدون ذكر الأحمر . وحديث بريدة قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=755559خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان ، الحديث أخرجه أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه ، وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب . ونقل المنذري تحسين الترمذي وأقره .
قال الشوكاني في النيل : قد احتج بهذه الأحاديث من قال بجواز لبس الأحمر وهم الشافعية والمالكية وغيرهم . وقال الحافظ في الفتح : جاء الجواز مطلقا عن علي وطلحة nindex.php?page=showalam&ids=166وعبد الله بن جعفر والبراء وغير واحد من الصحابة وعن nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب والنخعي nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي وأبي قلابة nindex.php?page=showalam&ids=16115وأبي وائل وطائفة من التابعين انتهى .
وذهبت الحنفية إلى الكراهة واحتجوا بحديث عبد الله بن عمر وقال : nindex.php?page=hadith&LINKID=755560مر بالنبي صلى الله عليه وسلم رجل وعليه ثوبان أحمران فسلم عليه فلم يرد عليه ، أخرجه الترمذي وأبو داود . وقال الحافظ : هو حديث ضعيف الإسناد وإن وقع في بعض نسخ الترمذي أنه قال : حديث حسن . وقال المنذري في إسناده أبو يحيى القتات . وقد اختلف في اسمه ، فقيل : عبد الرحمن بن دينار ، وقيل : زاذان ، وقيل : عمران ، وقيل : مسلم ، وقيل : زياد ، وقيل : يزيد وهو كوفي لا يحتج بحديثه . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13863أبو بكر البزار : هذا الحديث لا نعلمه يروى بهذا اللفظ إلا عن عبد الله بن عمر ، ولا نعلم له طريقا إلا هذه الطريق ، ولا نعلم رواه عن إسرائيل إلا إسحاق بن منصور .
ومن أصرح أدلتهم حديث رافع بن برد أو رافع بن خديج كما قال ابن قانع مرفوعا بلفظ : nindex.php?page=hadith&LINKID=876448إن الشيطان يحب الحمرة فإياكم والحمرة وكل ثوب ذي شهرة ، أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم في الكنى ، وأبو نعيم في المعرفة ، وابن قانع nindex.php?page=showalam&ids=12757وابن السكن وابن منده nindex.php?page=showalam&ids=13357وابن عدي ، ويشهد له ما أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني عن عمران بن حصين مرفوعا بلفظ : nindex.php?page=hadith&LINKID=876449إياكم والحمرة فإنها أحب الزينة إلى الشيطان . وأخرج نحوه عبد الرزاق من حديث الحسن مرسلا . قال الشوكاني : وهذا إن صح كان أنص أدلتهم على المنع ، ولكنك قد عرفت لبسه صلى الله عليه وسلم للحلة الحمراء في غير مرة ، ويبعد منه صلى الله عليه وسلم أن يلبس ما حذرنا من لبسه معللا ذلك بأن الشيطان يحب الحمرة ، ولا يصح أن يقال هاهنا فعله لا يعارض القول الخاص بنا كما صرح بذلك أئمة الأصول ; لأن تلك العلة مشعرة بعدم اختصاص الخطاب بنا إذ تجنب ما يلابسه الشيطان هو صلى الله عليه وسلم أحق الناس به .
فإن قلت : فما الراجح إن صح ذلك الحديث ؟
قلت : قد تقرر في الأصول أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا فعل فعلا لم يصاحبه دليل خاص يدل على التأسي به فيه كان مخصصا له عن عموم القول الشامل له بطريق الظهور فيكون [ ص: 321 ] لبس الأحمر مختصا به ، ولكن ذلك الحديث غير صالح للاحتجاج به كما صرح بذلك الحافظ وجزم بضعفه ؛ لأنه من رواية أبي بكر الهذلي وقد بالغ الجوزقاني فقال باطل ، فالواجب البقاء على البراءة الأصلية المعتضدة بأفعاله الثابتة في الصحيح ، لا سيما مع ثبوت لبسه لذلك بعد حجة الوداع ، ولم يلبث بعدها إلا أياما يسيرة .
واحتجوا أيضا بالأحاديث الواردة في تحريم المصبوغ بالعصفر ، قالوا : لأن العصفر يصبغ صباغا أحمر وهي أخص من الدعوى وستعرف أن الحق أن ذلك النوع من الأحمر لا يحل لبسه . وقد احتج من قال بتحريم لبس الأحمر للرجال بهذه الأحاديث ، وقد عرفت أنه لا يصلح واحد منها للاحتجاج .
وقد ذكر الحافظ في هذه المسألة سبعة أقوال : الأول الجواز مطلقا ، والثاني المنع مطلقا ، والثالث يكره لبس الثوب المشبع بالحمرة دون ما كان صبغه خفيفا ، جاء ذلك عن عطاء nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس ومجاهد ، وكان الحجة فيه حديث ابن عمر : nindex.php?page=hadith&LINKID=755847نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المفدم ، أخرجه ابن ماجه والمفدم بالفاء وتشديد الدال وهو المشبع بالعصفر فسره في الحديث ، والرابع يكره لبس الأحمر مطلقا لقصد الزينة والشهرة ويجوز في البيوت والمهنة ، جاء ذلك عن ابن عباس ، والخامس يجوز لبس ما كان صبغ غزله ثم نسج ويمنع ما صبغ بعد النسج ، جنح إلى ذلك nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي واحتج بأن الحلة الواردة في الأخبار الواردة في لبسه صلى الله عليه وسلم الحلة الحمراء إحدى حللاليمن ، وكذلك البرد الأحمر ، وبرود اليمن يصبغ غزلها ثم ينسج ، والسادس اختصاص النهي بما يصبغ بالعصفر لورود النهي عنه ولا يمنع ما صبغ بغيره من الأصباغ ، قال الحافظ : ويعكر عليه حديث المغرة المتقدم ; والسابع تخصيص المنع بالثوب الذي يصبغ كله وأما ما فيه لون آخر غير الأحمر من بياض وسواد وغيرهما فلا ، وعلى ذلك تحمل الأحاديث الواردة في الحلة الحمراء فإن الحلل اليمانية غالبا تكون ذات خطوط حمر وغيرها . وقال الطبري بعد أن ذكر غالب هذه الأقوال : الذي أراه جواز لبس الثياب المصبغة بكل لون ، إلا أني لا أحب لبس ما كان مشبعا بالحمرة ، ولا لبس الأحمر مطلقا ظاهرا فوق الثياب ؛ لكونه ليس من لباس أهل المروءة في زماننا ، فإن مراعاة زي الزمان من المروءة ما لم يكن إثما ، وفي مخالفته الزي ضرب من الشهرة وهذا يمكن أن يلخص منه قول ثامن انتهى كلام الحافظ .
قلت : الراجح عندي من هذه الأقوال هو القول السادس ، وأما قول الحافظ : ويعكر عليه حديث المغرة المتقدم ففيه أن في سنده ضعفا كما صرح به الحافظ نفسه . وقال المنذري في إسناده [ ص: 322 ] إسماعيل بن عياش وابنه محمد بن إسماعيل بن عياش وفيهما مقال انتهى هذا ما عندي والله تعالى أعلم .
قوله : ( وفي الباب عن nindex.php?page=showalam&ids=98جابر بن سمرة وأبي رمثة nindex.php?page=showalam&ids=9473وأبي جحيفة ) أما حديث nindex.php?page=showalam&ids=98جابر بن سمرة فأخرجه الترمذي في باب الرخصة في لبس الحمرة للرجال من أبواب الأدب ، وأما حديث أبي رمثة فلينظر من أخرجه ، وأما حديث nindex.php?page=showalam&ids=9473أبي جحيفة فأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في باب الصلاة في الثوب الأحمر وفي عدة أبواب من صحيحه .
قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه الشيخان وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه .