( باب ما جاء في أكل الثريد ) بفتح المثلثة وكسر الراء معروف وهو أن يثرد الخبز بمرق اللحم ، [ ص: 459 ] وقد يكون معه اللحم ، ومن أمثالهم : الثريد أحد اللحمين ، وربما كان أنفع وأقوى من نفس اللحم النضيج إذا ثرد بمرقته .
قوله : ( كمل ) بتثليث الميم ، قال في القاموس : كمل كنصر وكرم وعلم كمالا وكمولا انتهى أي صار كاملا أو بلغ مبلغ الكمالقوله : ( من الرجال كثير ) أي كثيرون من أفراد هذا الجنس حتى صاروا رسلا وأنبياء وخلفاء وعلماء وأولياء ( ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون ) والتقدير إلا قليل منهن ، ولما كان ذلك القليل محصورا فيهما باعتبار الأمم السابقة نص عليهما بخلاف الكمل من الرجال فإنه يبعد تعدادهم واستقصاؤهم بطريق الانحصار ، سواء أريد بالكمل الأنبياء أو الأولياء . قال الحافظ في الفتح : استدل بهذا الحصر على أنهما نبيتان لأن أكمل الإنسان الأنبياء ثم الأولياء والصديقون والشهداء ، فلو كانتا غير نبيتين للزم أن لا يكون في النساء ولية ولا صديقة ولا شهيدة ، والواقع أن هذه الصفات في كثير منهن موجودة ، فكأنه قال ولم ينبأ من النساء إلا فلانة وفلانة ، ولو قال : لم تثبت صفة الصديقية أو الولاية أو الشهادة إلا لفلانة وفلانة لم يصح لوجود ذلك في غيرهن ، إلا أن يكون المراد في الحديث كمال غير الأنبياء فلا يتم الدليل على ذلك لأجل ذلك انتهى .
وقال الكرماني : لا يلزم من لفظ الكمال ثبوت نبوتهما لأنه يطلق لتمام الشيء وتناهيه في بابه ، فالمراد ببلوغهما إليه في جميع الفضائل التي للنساء . قال : وقد نقل الإجماع على عدم نبوة النساء كذا قال . وقد نقل عن الأشعري : من النساء من نبئ وهن ست : حواء وسارة وأم موسى وهاجر وآسية ومريم ، والضابط عنده أن من جاءه الملك عن الله بحكم من أمر ونهي أو بإعلام مما سيأتي فهو نبي ، وقد ثبت مجيء الملك لهؤلاء بأمور شتى من ذلك من عند الله عز وجل ، ووقع التصريح بالإيحاء لبعضهن في القرآن . وذكر nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم في الملل والنحل أن هذه المسألة لم يحدث التنازع فيها إلا في عصره بقرطبة وحكي عنهم أقوالا ثالثها الواقف قال : وحجة المانعين قوله تعالى : وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا قال : وهذا لا حجة فيه فإن أحدا لم يدع فيهن الرسالة وإنما ، الكلام في النبوة فقط ، قال : وأصرح ما ورد في ذلك قصة مريم ، وفي قصة أم موسى ، ما يدل على ثبوت ذلك لها من مبادرتها بإلقاء ولدها في البحر بمجرد الوحي إليها بذلك ، قال : وقد قال الله تعالى بعد أن ذكر مريم والأنبياء بعدها : أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين فدخلت في عمومه والله [ ص: 460 ] تعالى أعلم .
وقال القرطبي : الصحيح أن مريم نبية لأن الله تعالى أوحى إليها بواسطة الملك ، وأما آسية فلم يرد ما يدل على نبوتها ، كذا في الفتح ( وفضل عائشة على النساء ) أي على جنسهن من نساء الدنيا جميعهن ، أو على نساء الجنة أو على نساء زمانها . أو على نساء هذه الأمة (كفضل الثريد على سائر الطعام ) قال الحافظ : ليس فيه تصريح بأفضلية عائشة رضي الله تعالى عنها على غيرها ؛ لأن فضل الثريد على غيره من الطعام إنما هو لما فيه من تيسير المؤنة وسهولة الإساغة ، وكان أجل أطعمتهم يومئذ ، وكل هذه الخصال لا تستلزم ثبوت الأفضلية له من كل جهة ، فقد يكون مفضولا بالنسبة لغيره من جهات أخرى ، ويأتي بقية الكلام في هذا في فضل عائشة من أبواب المناقب .
قوله : ( وفي الباب عن عائشة وأنس ) أما حديث عائشة فأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي في عشرة النساء . وأما حديث أنس فأخرجه الترمذي في المناقب .
قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في كتاب الأنبياء وفي فضل عائشة وفي الأطعمة ، وأخرجه مسلم في الفضائل nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي في المناقب وفي عشرة النساء ، nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه في الأطعمة .