قوله : ( قد شيب بماء ) أي مزج بالماء ، وإنما كانوا يمزجونه بالماء لأن اللبن يكون عند حلبه حارا ، وتلك البلاد في الغالب حارة فكانوا يمزجونه بالماء لذلك ، وقال النووي : قوله شيب أي خلط ، وفيه جواز ذلك ، وإنما ينهى عن شوبه إذا أراد بيعه لأنه غش ، قال العلماء : والحكمة في شوبه أن يبرد أو يكثر أو للمجموع انتهى .
( ثم أعطى الأعرابي وقال : الأيمن فالأيمن ) يجوز أن يكون قوله الأيمن مبتدأ خبره محذوف ، أي الأيمن مقدم أو أحق ، ويجوز أن يكون منصوبا على تقدير قدموا الأيمن أو أعطوا ، وقال النووي : ضبط الأيمن بالنصب والرفع وهما صحيحان ، النصب على تقدير أعطي الأيمن ، والرفع على تقدير الأيمن أحق أو نحو ذلك ، وفي الرواية الأخرى : الأيمنون وهو يرجح الرفع انتهى ، وفيه دليل على أنه يقدم من على يمين الشارب في الشرب هلم جرا وهو مستحب عند الجمهور ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم يجب ، ولا فرق بين شراب اللبن وغيره كما في حديث سهل بن سعد وغيره ، وقال النووي : فيه بيان استحباب التيامن في كل ما كان من أنواع الإكرام وفيه أن الأيمن في الشراب ونحوه يقدم وإن كان صغيرا أو مفضولا لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم الأعرابي والغلام على أبي بكر رضي الله عنه .
وأما تقديم الأفاضل والكبار فهو عند التساوي في باقي الأوصاف ، ولهذا يقدم الأعلم والأقرأ على الأسن الشيب في الإمامة في الصلاة انتهى ، وقال الحافظ في الحديث : إن سنة الشرب العامة تقديم الأيمن في كل موطن ، وإن تقديم الذي على اليمين ليس لمعنى فيه بل المعنى في جهة اليمين وهو فضلها على جهة اليسار ، فيؤخذ منه أن ذلك ليس ترجيحا لمن هو على اليمين بل هو ترجيح لجهته .
[ ص: 15 ] ويجمع بأنه محمول على الحالة التي يجلسون فيها متساوين ، إما بين يدي الكبير أو عن يساره كلهم أو خلفه أو حيث لا يكون فيهم ، فتخص هذه الصورة من عموم تقديم الأيمن ، أو يخص من عموم هذا الأمر بالبداءة بالكبير أما إذا جلس بعض عن يمين الرئيس وبعض عن يساره ، ففي هذه الصورة يقدم الصغير على الكبير والمفضول على الفاضل ، ويظهر من هذا أن الأيمن ما امتاز لمجرد الجلوس في الجهة اليمنى بل بخصوص كونها يمين الرئيس ، فالفضل إنما فاض عليه من الأفضل ، انتهى كلام الحافظ .