قوله : ( من زعم أن عندنا شيئا نقرؤه إلا كتاب الله وهذه الصحيفة ) أي غيرهما وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=12070للبخاري : ما عندنا شيء إلا كتاب الله وهذه الصحيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال النووي : هذا تصريح من علي رضي الله عنه بإبطال ما تزعمه الرافضة والشيعة ويخترعونه من قولهم إن عليا رضي الله عنه أوصى إليه النبي صلى الله عليه وسلم بأمور كثيرة من أسرار العلم ، وقواعد الدين وكنوز الشريعة ، وإنه صلى الله عليه وسلم خص أهل البيت بما لم يطلع عليه غيرهم ، وهذه دعاوى باطلة واختراعات فاسدة لا أصل لها ، ويكفي في إبطالها قول علي رضي الله عنه هذا انتهى .
( صحيفة ) بدل من هذه الصحيفة ( فيها أسنان الإبل ) أي بيان أسنانها ( وأشياء من الجراحات ) أي من أحكامها ( فقد كذب ) خبر لقوله من زعم ( وقال ) أي علي ( فيها ) أي في الصحيفة ( المدينة حرم ) بفتحتين ( ما بين عير ) بفتح العين المهملة وإسكان المثناة تحت ، جبل معروف بالمدينة ( إلى ثور ) بفتح الثاء المثلثة قال في القاموس : ثور جبل بالمدينة ، ومنه الحديث الصحيح : المدينة حرم ما بين عير إلى ثور ، وأما قول عبيد بن سلام وغيره من الأكابر الأعلام : إن هذا تصحيف ، والصواب إلى أحد ; لأن ثورا إنما هو بمكة فغير جيد لما أخبرني الشجاع البعلي الشيخ الزاهد عن الحافظ أبي محمد عبد السلام البصري : أن حذاء أحد جانحا إلى ورائه جبل صغير يقال له ثور وتكرر سؤالي عنه طوائف من العرب العارفين بتلك الأرض فكل أخبر أن اسمه ثور ، ولما كتب إلى الشيخ عفيف الدين المطري عن والده الحافظ الثقة قال : إن خلف أحد عن شماليه جبلا صغيرا مدورا يسمى ثورا يعرفه أهل المدينة خلفا عن سلف انتهى ما في القاموس ، وقال الحافظ في الفتح : قال المحب الطبري في الأحكام بعد حكاية كلام أبي عبيد ومن تبعه : قد أخبرني الثقة العالم أبو محمد عبد السلام البصري أن حذاء أحد عن يساره جانحا إلى ورائه جبل صغير ، فذكر مثل ما في القاموس ، وفيه دليل على أن المدينة حرم كحرم مكة ، وفي هذا أحاديث عديدة مروية في الصحيحين وغيرهما وذكرها صاحب المنتقى قال [ ص: 270 ] الشوكاني : استدل بما في هذه الأحاديث من تحريم شجر المدينة وخبطه وعضده وتحريم صيدها وتنفيره ـ nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك وأحمد والهادي وجمهور أهل العلم على أن للمدينة حرما كحرم مكة يحرم صيده وشجره ، قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك : فإن قتل صيدا أو قطع شجرا فلا ضمان لأنه ليس بمحل للنسك فأشبه الحمى ، وقال ابن أبي ذئب nindex.php?page=showalam&ids=12526وابن أبي ليلى يجب فيه الجزاء كحرم مكة ، وبه قال بعض المالكية وهو ظاهر قوله كما حرم إبراهيم مكة ، وذهب أبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=15948وزيد بن علي والناصر إلى أن حرم المدينة ليس بحرم على الحقيقة ولا تثبت له الأحكام من تحريم قتل الصيد وقطع الشجر والأحاديث ترد عليهم ، واستدلوا بحديث nindex.php?page=hadith&LINKID=751611يا أبا عمير ما فعل النغير ، وأجيب بأن ذلك كان قبل تحريم المدينة أو أنه من صيد الحل انتهى .
( فمن أحدث ) أي أظهر في المدينة ( حدثا ) بفتحتين وهو الأمر الحادث المنكر الذي ليس بمعناه ولا معروف في السنة ( أو آوى ) بالمد ويقصر ، قال في النهاية : أوى فآوى بمعنى واحد ، والمقصود منهما لازم ومتعد ، يقال أويت إلى المنزل وأويت غيري وأويته ، وأنكر بعضهم المقصور المتعدي ، وقال الأزهري هي لغة فصيحة ، ومحدثا بكسر الدال وفتحها على الفاعل والمفعول ، فمعنى الكسر من نصر جانبا وآواه وأجاره من خصمه وحال بينه وبين أن يقتص منه ، ومعنى الفتح هو الأمر المبتدع نفسه ويكون معنى الإيواء فيه المرضي به والصبر عليه فإنه إذا رضي ببدعته وأقر فاعله عليها ولم ينكرها فقد آواه ، قاله العيني ، وقال القاري بكسر الدال على الرواية الصحيحة أي مبتدعا ، وقيل أي جانبا إلى آخر ما قاله العيني ( فعليه ) أي فعلى كل منهما ( لعنة الله ) أي طرده وإبعاده ، قال عياض : استدل بهذا على أن الحدث في المدينة من الكبائر ، والمراد بلعنة الملائكة والناس المبالغة في الإبعاد عن رحمة الله ، قال والمراد باللعن هنا العذاب الذي يستحقه على ذنبه في أول الأمر وليس هو كلعن الكافر ( والملائكة ) أي دعاؤهم عليه بالبعد عن رحمته ( والناس أجمعين ) أي من هذا الحدث والمؤدي أو هما داخلان أيضا لأنهما ممن يقول ألا لعنة الله على الظالمين ، والظلم هو وضع الشيء في غير موضعه .
( لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا ) بفتح أولهما ، واختلف في تفسيرهما فعند الجمهور الصرف الفريضة والعدل النافلة ، ورواه nindex.php?page=showalam&ids=13113ابن خزيمة بإسناد صحيح عن الثوري وعن nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري بالعكس ، وعن الأصمعي : الصرف التوبة ، والعدل الفدية ، وقيل غير ذلك قال عياض : معناه لا يقبل قبول رضا وإن قبل قبول جزاء ، وقيل يكون القبول هنا بمعنى تكفير الذنب بهما ، وقد يكون معنى الفدية أنه لا يجد يوم القيامة فدى يفتدي بخلاف غيره من المذنبين بأن يفديه من النار بيهودي أو نصراني كما رواه مسلم من حديث nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى الأشعري .
( ومن ادعى ) أي انتسب ( أو تولى غير مواليه ) بأن يقول عتيق لغير معتقه :
[ ص: 271 ] أنت مولاي ولك ولائي ، قال nindex.php?page=showalam&ids=13926البيضاوي : الظاهر أنه أراد به ولاء العتق لعطفه على قوله من ادعى إلى غير أبيه ، والجمع بينهما بالوعيد فإن العتق من حيث إنه لحمة كلحمة النسب فإذا نسب إلى غير من هو له كان كالدعي الذي تبرأ عمن هو منه وألحق نفسه بغيره فيستحق به الدعاء عليه بالطرد والإبعاد عن الرحمة انتهى .
وهذا صريح في غلظ تحريم انتماء الإنسان إلى غير أبيه ، أو انتماء العتيق إلى غير مواليه لما فيه من كفر النعمة وتضييع حقوق الإرث والولاء والعقل وغير ذلك مع ما فيه من قطيعة الرحم والعقوق ( وذمة المسلمين ) أي عهدهم وأمانهم ( واحدة ) أي أنها كالشيء الواحد لا يختلف باختلاف المراتب ولا يجوز نقضها لتفرد العاقد بها ( يسعى بها ) أي يتولاها ويلي أمرها ( أدناهم ) أي أدنى المسلمين مرتبة ، والمعنى أن ذمة المسلمين سواء صدرت من واحد أو أكثر شريف أو وضيع ، فإذا أمن أحد من المسلمين كافرا وأعطاه ذمة لم يكن لأحد نقضه ، فيستوي في ذلك الرجل والمرأة والحر والعبد لأن المسلمين كنفس واحدة .
قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في الحج وفي الجزية وفي الفرائض وفي الاعتصام وأخرجه مسلم في الحج ( وروى بعضهم عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد عن علي نحوه ) أخرجه أحمد nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ، وروى nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في الحج من طريق nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن علي قال الحافظ : هذه رواية أكثر أصحاب الأعمش عنه ، وخالفهم شعبة فرواه عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث عن سويد عن علي ، قال nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني في العلل : والصواب رواية الثوري ومن تبعه .