قوله : ( والذي نفسي بيده ) فيه الحلف في الخبر مبالغة في تأكيده ( ليوشكن ) بكسر المعجمة ، أي ليقربن ، أي لا بد من ذلك سريعا ( أن ينزل فيكم ) أي في هذه الأمة فإنه خطاب لبعض الأمة ممن لا يدرك نزوله ( حكما ) أي حاكما ، والمعنى أنه ينزل حاكما بهذه الشريعة فإن هذه الشريعة باقية لا تنسخ بل يكون عيسى حكما من حكام هذه الأمة ( مقسطا ) المقسط العادل بخلاف القاسط فهو الجائر ( فيكسر ) أي يهدم ( الصليب ) قال في شرح السنة وغيره ، أي فيبطل النصرانية ويحكم بالملة الحنيفية ، وقال ابن الملك : الصليب في اصطلاح النصارى خشبة مثلثة يدعون أن عيسى عليه الصلاة والسلام صلب على خشبة مثلثة على تلك الصورة وقد يكون فيه صورة المسيح ( ويقتل الخنزير ) أي يحرم اقتناءه وأكله ويبيح قتله ، قال الحافظ في الفتح أي يبطل دين النصرانية بأن يكسر الصليب حقيقة ويبطل ما تزعمه النصارى من تعظيمه ( ويضع الجزية ) قال الحافظ : المعنى أن الدين يصير واحدا فلا يبقى أحد من أهل الدنيا يؤدي الجزية ، وقيل : معناه أن المال يكثر حتى لا يبقى من يمكن صرف مال الجزية له فتترك الجزية استغناء عنها ، وقال عياض : يحتمل أن يكون المراد بوضع الجزية تقريرها على الكفار من غير محاباة ويكون كثرة المال بسبب ذلك ، وتعقبه النووي وقال : الصواب أن عيسى لا يقبل إلا الإسلام ، قال الحافظ : ويؤيده أن عند أحمد عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة nindex.php?page=hadith&LINKID=754781وتكون الدعوة واحدة .
قال النووي : ومعنى وضع عيسى الجزية مع أنها مشروعة في هذه الشريعة أن مشروعيتها مقيدة بنزول عيسى ، لما دل عليه هذا الخبر وليس عيسى بناسخ لحكم الجزية بل نبينا صلى الله عليه وسلم هو المبين للنسخ ، فإن عيسى عليه السلام يحكم بشرعنا ، فدل على أن الامتناع من قبول الجزية في ذلك الوقت هو شرع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ( ويفيض المال ) بفتح أوله وكسر الفاء وبالضاد المعجمة أي يكثر وينزل البركات ، وتكثر الخيرات بسبب العدل وعدم التظالم ، وتقيء الأرض أفلاذ كبدها كما جاء في الحديث الآخر .
[ ص: 406 ] وتقل أيضا الرغبات لقصر الآمال وعلمهم بقرب القيامة ، فإن عيسى عليه الصلوات والسلام علم من أعلام الساعة ، وقال العلماء : الحكمة في نزول عيسى دون غيره من الأنبياء الرد على اليهود في زعمهم أنهم قتلوه ، فبين الله تعالى كذبهم ، وأنه الذي يقتلهم أو نزوله لدنو أجله ليدفن في الأرض إذ ليس لمخلوق من التراب أن يموت في غيرها ، وقيل إنه دعا الله لما رأى صفة محمد وأمته أن يجعله منهم فاستجاب الله دعاءه وأبقاه حتى ينزل في آخر الزمان مجددا لأمر الإسلام ، فيوافق خروج الدجال فيقتله ، والأول أوجه .
قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه أحمد والشيخان .