قوله : ( أخبرنا ثابت بن محمد العابد الكوفي ) أبو محمد ، ويقال أبو إسماعيل صدوق زاهد ، يخطئ في أحاديث من التاسعة ( أخبرنا الحارث بن النعمان ) بن سالم الليثي الكوفي ابن أخت سعيد بن جبير ضعيف من الخامسة .
قوله : ( nindex.php?page=hadith&LINKID=752352اللهم أحيني مسكينا ) قيل : هو من المسكنة وهي الذلة والافتقار ، فأراد -صلى الله عليه وسلم- بذلك إظهار تواضعه ، وافتقاره إلى ربه ، إرشادا لأمته إلى استشعار التواضع ، والاحتراز عن الكبر والنخوة ، وأراد بذلك التنبيه على علو درجات المساكين وقربهم من الله تعالى قاله الطيبي -رحمه الله- ( واحشرني في زمرة المساكين ) أي اجمعني في جماعتهم بمعنى اجعلني منهم ، لكن لم يسأل مسكنة ترجع للقلة بل للإخبات والتواضع والخشوع . قال السهروردي : لو سأل الله أن يحشر المساكين في زمرته لكان لهم الفخر العميم والفضل العظيم ، فكيف وقد سأل أن يحشر في زمرتهم ؟ ( لم يا رسول الله ) أي لأي شيء دعوت هذا الدعاء واخترت الحياة والممات والبعث مع المساكين والفقراء دون أكابر الأغنياء ( قال إنهم ) استئناف في معنى التعليل ، أي لأنهم مع قطع النظر عن بقية فضائلهم وحسن أخلاقهم وشمائلهم ( بأربعين خريفا ) أي بأربعين سنة ، قال الجزري في النهاية : الخريف الزمان المعروف من فصول السنة ما بين الصيف والشتاء ، ويريد به أربعين سنة لأن الخريف لا يكون في السنة إلا مرة واحدة ، فإذا انقضى أربعون خريفا فقد مضت أربعون سنة ، انتهى .
[ ص: 17 ] فإن قلت : كيف التوفيق بين هذا الحديث وبين الحديث السابق ، فإنهما بظاهرهما متخالفان .
قلت : أوجه التوفيق بينهما أن يقال : المراد بكل من العددين إنما هو التكثير لا التحديد ، فتارة عبر به وأخرى بغيره تفننا ومآلهما واحد أو أخبر أولا بأربعين كما أوحي إليه ثم أخبر ثانيا بخمسمائة عام زيادة من فضله على الفقراء ببركته -صلى الله عليه وسلم- والتقدير بأربعين خريفا إشارة إلى أقل المراتب وبخمسمائة عام إلى أكثرها . ويدل عليه ما رواه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني عن مسلمة بن مخلد ولفظه : nindex.php?page=hadith&LINKID=877311سبق المهاجرون الناس بأربعين خريفا إلى الجنة ثم يكون الزمرة الثانية مائة خريف .
فالمعنى أن يكون الزمرة الثالثة مائتين وهلم جرا ، وكأنهم محصورون في خمس زمر أو الاختلاف باختلاف مراتب أشخاص الفقراء في حال صبرهم ورضاهم وشكرهم ، وهو الأظهر المطابق لما في جامع الأصول حيث قال : وجه الجمع بينهما أن الأربعين أراد بها تقدم الفقير الحريص على الغني . وأراد بالخمسمائة تقدم الفقير الزاهد على الغني الراغب ، فكان الفقير الحريص على درجتين من خمس وعشرين درجة من الفقير الزاهد وهذه نسبة الأربعين إلى الخمسمائة ، ولا تظنن أن التقدير وأمثاله يجري على لسان النبي -صلى الله عليه وسلم- جزافا ، ولا باتفاق بل لسر أدركه ونسبة أحاط بها علمه ، فإنه -صلى الله عليه وسلم- ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ( أحبي المساكين ) أي بقلبك ( وقربيهم ) أي إلى مجلسك حال تحديثك ( nindex.php?page=hadith&LINKID=752353فإن الله يقربك يوم القيامة ) أي بتقريبهم تقريبا إلى الله سبحانه وتعالى . قال القاري في المرقاة : إن لم يكن دليل آخر غير هذا الحديث لكفى حجة واضحة على أن الفقير الصابر خير من الغني الشاكر .
وأما حديث : الفقر فخري وبه أفتخر . فباطل لا أصل له على ما صرح به من الحفاظ العسقلاني وغيره . وأما حديث كاد الفقر أن يكون كفرا ، فهو ضعيف جدا وعلى تقدير صحته فهو محمول على الفقر القلبي المؤدي إلى الجزع والفزع بحيث يفضي إلى عدم الرضاء بالقضاء ، والاعتراض على تقسيم رب الأرض والسماء ، ولذا قال -صلى الله عليه وسلم- : nindex.php?page=hadith&LINKID=752354ليس الغنى عن كثرة العرض إنما الغنى غنى النفس ، انتهى .
قلت : قال الحافظ في التلخيص قوله يستدل على أن الفقير أحسن حالا من المسكين بما نقل : الفقر فخري وبه أفتخر . وهذا الحديث سئل عنه الحافظ ابن تيمية فقال : إنه كذب لا يعرف في شيء من كتب المسلمين المروية ، وجزم الصغاني بأنه موضوع ، انتهى .
قلت : قال الحافظ في التلخيص : إن الذي استعاذ منه وكرهه فقر القلب ، والذي اختاره وارتضاه طرح المال . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : الذي استعاذ منه هو الذي لا يدرك معه القوت والكفاف ، ولا يستقر معه في النفس غنى ; لأن الغنى عنده -صلى الله عليه وسلم- غنى النفس وقد قال تعالى : ووجدك عائلا فأغنى ولم يكن غناه أكثر من ادخاره قوت سنة لنفسه وعياله . وكان الغنى محله في قلبه ثقة بربه ، وكان يستعيذ من فقر منس وغنى مطغ ، وفيه دليل على أن الغنى والفقر طرفان مذمومان ، وبهذا تجتمع الأخبار في هذا المعنى ، انتهى .
قوله : ( هذا حديث غريب ) وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في شعب الإيمان . وقال الحافظ في التلخيص بعد ذكر هذا الحديث رواه الترمذي واستغربه ، وإسناده ضعيف . وقال وفي الباب عن أبي سعيد رواه ابن ماجه وفي إسناده ضعف أيضا ، وله طريق أخرى في المستدرك من حديث عطاء عنه وطوله nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي ورواه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي من حديث عبادة بن الصامت .
تنبيه : أسرف nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي فذكر هذا الحديث في الموضوعات وكأنه أقدم عليه لما رآه مباينا للحال التي مات عليها النبي -صلى الله عليه وسلم- لأنه كان مكفيا . قال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي : ووجهه عندي أنه لم يسأل المسكنة التي يرجع معناها إلى القلة ، وإنما سأل المسكنة التي يرجع معناها إلى الإخبات والتواضع ، انتهى .