( باب ما جاء في أن الاستئذان ثلاث ) قال النووي : أجمع العلماء أن الاستئذان مشروع وتظاهرت به دلائل القرآن والسنة وإجماع الأمة ، والسنة أن يسلم ويستأذن ثلاثا فيجمع بين السلام والاستئذان كما صرح به في القرآن ، واختلفوا في أنه هل يستحب تقديم السلام ثم الاستئذان أو تقديم الاستئذان ثم السلام ، والصحيح الذي جاءت به السنة ، وقاله المحققون أنه يقدم السلام ، فيقول : السلام عليكم أأدخل ، والثاني يقدم الاستئذان ، والثالث وهو اختيار nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي من أصحابنا إن وقعت عين المستأذن على صاحب المنزل قبل دخوله قدم السلام وإلا قدم الاستئذان ، وصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حديثان في تقديم السلام . أما إذا استأذن ثلاثا فلم يؤذن له وظن أنه لم يسمعه [ ص: 386 ] ففيه ثلاث مذاهب ، أظهرها أنه ينصرف ولا يعيد الاستئذان والثاني يزيد فيه ، والثالث إن كان بلفظ الاستئذان المتقدم لم يعده وإن كان بغيره أعاده ، فمن قال بالأظهر فحجته قوله -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث يعني حديث الباب : فلم يؤذن له فليرجع ، ومن قال بالثاني حمل الحديث على من علم أو ظن أنه سمعه فلم يأذن ، انتهى كلام النووي .
قوله : ( حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16299عبد الأعلى بن عبد الأعلى ) البصري الساجي بالمهملة أبو محمد وكان يغضب إذا قيل له أبو همام ثقة من الثامنة ( عن الجريري ) بضم الجيم مصغرا .
قوله : ( فقال عمر واحدة ) أي هذه استئذانة واحدة ( ثم سكت ) أي أبو موسى ( فقال عمر ثنتان ) أي هذه مع الأولى ثنتان ( فقال عمر ثلاث ) أي هذه مع الأوليين ثلاث ، والمقصود أنه عليك أن تقف حتى آذن لك ( علي به ) أي ائتوني به ( ما هذا الذي صنعت ) وفي رواية لمسلم : ما حملك على ما صنعت ، والمعنى لم رجعت بعد استئذانك ثلاثا ؟ ولم لم تقف حتى آذن لك ( قال ) أي أبو موسى ( السنة ) بالنصب أي اتبعت السنة فيما صنعت ( قال ) أي عمر ( آلسنة ) أي أتبعت السنة ؟ قال الحافظ في رواية عبيد بن حنين عن أبي موسى عند nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في الأدب المفرد : فقال يا عبد الله اشتد عليك أن تحتبس على بابي ؟ اعلم أن الناس كذلك يشتد عليهم أن يحتبسوا على بابك فقلت بل استأذنت إلى آخره ، قال : وفي هذه الزيادة دلالة على أن عمر أراد تأديبه ، لما بلغه أنه قد يحتبس على الناس في حال إمرته . وقد كان عمر استخلفه على الكوفة مع ما كان عمر فيه من الشغل ، انتهى .
وفي رواية لمسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=755019فقال يا أبا موسى ما ردك ؟ كنا في شغل قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : الاستئذان ثلاث فإن أذن لك وإلا فارجع ( والله لتأتيني على هذا ببرهان وبينة ) المراد بها الشاهد ولو كان واحدا . وإنما أمره بذلك ليزداد فيه وثوقا لا للشك في صدق خبره عنده -عليه الصلاة والسلام- ( أو لأفعلن بك ) وفي رواية لمسلم : فقال إن كان هذا شيء حفظته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فها ، وإلا لأجعلنك عظة ، وفي رواية أخرى له : قال فوالله لأوجعن ظهرك وبطنك أو لتأتين بمن يشهد لك على هذا ( قال ) أي أبو سعيد ( فأتانا ) أي أبو موسى [ ص: 387 ] ( ونحن رفقة من الأنصار ) وفي رواية لمسلم : كنت جالسا بالمدينة في مجلس الأنصار فأتانا أبو موسى فزعا أو مذعورا ( فجعل القوم يمازحونه ) وفي رواية لمسلم : قال فجعلوا يضحكون قال : فقلت أتاكم أخوكم المسلم قد أفزع وتضحكون ؟ قال النووي : سبب ضحكهم التعجب من فزع أبي موسى وذعره وخوفه من العقوبة ، مع أنهم قد أمنوا أن يناله عقوبة أو غيرها لقوة حجته وسماعهم ما أنكر عليه من النبي -صلى الله عليه وسلم- انتهى . ( ما كنت علمت بهذا ) وفي رواية لمسلم : فقام أبو سعيد فقال : كنا نؤمر بهذا فقال عمر : خفي على هذا من أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ألهاني عنه الصفق بالأسواق . قال النووي : قد تعلق بهذا الحديث من يقول لا يحتج بخبر الواحد وزعم أن عمر -رضي الله عنه- رد حديث أبي موسى هذا لكونه خبر واحد .
وهذا مذهب باطل وقد أجمع من يعتد به على الاحتجاج بخبر الواحد ووجوب العمل به ودلائله من فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والخلفاء الراشدين وسائر الصحابة ، ومن بعدهم أكثر من أن يحصروا . وأما قول عمر لأبي موسى : أقم عليه البينة فليس معناه رد خبر الواحد من حيث هو خبر واحد ولكن خاف عمر مسارعة الناس إلى القول على النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى يقول عليه بعض المبتدعين أو الكاذبين أو المنافقين ، ونحوهم ما لم يقل . وإن كل من وقعت له قضية وضع فيها حديثا على النبي -صلى الله عليه وسلم- فأراد سد الباب خوفا من غير أبي موسى لا شكا في رواية أبي موسى ، فإنه عند عمر أجل من أن يظن به أن يحدث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما لم يقل بل أراد زجر غيره بطريقة ، فإن من دون أبي موسى إذا رأى هذه القضية أو بلغته وكان في قلبه مرض أو أراد وضع حديث خاف مثل قضية أبي موسى فامتنع من وضع الحديث والمسارعة إلى الرواية بغير يقين . ومما يدل على أن عمر لم يرد خبر أبي موسى لكونه خبر واحد أنه طلب منه إخبار رجل آخر حتى يعمل بالحديث . ومعلوم أن خبر الاثنين خبر واحد .
وكذا ما زاد حتى يبلغ التواتر فما لم يبلغ التواتر فهو خبر واحد ، ومما يؤيده أيضا ما ذكره مسلم في الرواية الأخيرة من قضية أبي موسى هذه أن أبيا -رضي الله عنه- قال : يا ابن الخطاب فلا تكونن عذابا على أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال سبحان الله إنما سمعت شيئا فأحببت أن أتثبت . انتهى كلام النووي . قال ابن بطال فيؤخذ منه التثبت في خبر الواحد لما يجوز عليه من السهو وغيره . وقد قبل عمر خبر العدل الواحد بمفرده في توريث المرأة من دية زوجها وأخذ الجزية من المجوس [ ص: 388 ] إلى غير ذلك لكنه قد يستثبت إذا وقع له ما يقتضي ذلك ، انتهى .
وفي الحديث أن العالم المتبحر قد يخفى عليه من العلم ما يعلمه من هو دونه ولا يقدح ذلك في وصفه بالعلم والتبحر فيه . قال ابن بطال : وإذا جاز ذلك على عمر فما ظنك بمن هو دونه . وقال الإمام تقي الدين بن دقيق العيد : وهذا الحديث يرد على من يغلو من المقلدين إذا استدل عليه بحديث فيقول لو كان صحيحا لعلمه فلان مثلا ، فإن ذلك لما خفي عن أكابر الصحابة وجاز عليهم فهو على غيرهم أجوز ، انتهى . قوله : ( وفي الباب عن علي وأم طارق مولاة سعد ) أما حديث علي فلينظر من أخرجه ، وأما حديث أم طارق مولاة سعد أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني . قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه الشيخان وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه ( اسمه المنذر بن مالك بن قطعة ) قال في التقريب بضم القاف وفتح المهملة ، وقال في الخلاصة بكسر القاف وسكون المهملة الأولى ، وكذا ضبطه صاحب مجمع البحار في كتابه المغني .