( باب كيف النهوض من السجود ) قوله : ( إذا كان في وتر من صلاته ) أي في الركعة الأولى والثالثة ( لم ينهض ) أي لم يقم ( حتى يستوي جالسا ) وهذه الجلسة تسمى بجلسة الاستراحة : قال الحافظ في الفتح : وفيه مشروعية جلسة الاستراحة ، وأخذ بها nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وطائفة من أهل الحديث ، وعن أحمد روايتان ، وذكر الخلال أن أحمد رجع إلى القول بها ، ولم يستحبهما الأكثر ، انتهى كلامه .
تنبيه : قد اعتذر الحنفية وغيرهم ممن لم يقل بجلسة الاستراحة عن العمل بحديث مالك بن الحويرث المذكور في الباب بأعذار كلها باردة ، فمنها ما قال صاحب الهداية من الحنفية : إنه محمول على حال الكبر ورده صاحب بحر الرائق حيث قال : يرد عليه بأن هذا الحمل يحتاج إلى دليل ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : nindex.php?page=hadith&LINKID=750471صلوا كما رأيتموني أصلي ، انتهى . وقال الحافظ ابن حجر في الدراية : هذا تأويل يحتاج إلى دليل ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمالك بن الحويرث لما أراد أن يفارقه : nindex.php?page=hadith&LINKID=750471صلوا كما رأيتموني أصلي ، ولم يفصل له فالحديث حجة في الاقتداء به في ذلك ، انتهى .
ومنها ما قال nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي : من أن حديث nindex.php?page=showalam&ids=187أبي حميد الساعدي خال عنها أي عن جلسة الاستراحة ، فإنه ساقه بلفظ : قام ولم يتورك ، قال : فلما تخالفا احتمل أن يكون ما فعله في حديث [ ص: 145 ] مالك بن الحويرث لعلة كانت به فقعد لأجلها لا أن ذلك من سنة الصلاة ، انتهى . وفيه أن الأصل عدم العلة ، وأن مالك بن الحويرث هو راوي حديث : nindex.php?page=hadith&LINKID=750471صلوا كما رأيتموني أصلي ، فحكاياته لصفات صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم داخلة تحت هذا الأمر ، ولم تتفق الروايات عن أبي حميد على نفي هذه الجلسة ، بل أخرجه أبو داود من وجه آخر بإثباتها كذا في فتح الباري . قلت : وكذلك أخرجه الترمذي بإثباتها كما تقدم .
ومنها أنها لو كانت سنة لشرع لها ذكر مخصوص . وفيه أنها جلسة خفيفة جدا استغني فيها بالتكبير المشروع للقيام ، فإنها من جملة النهوض إلى القيام .
ومنها أنها لو كانت سنة لذكرها كل من وصف صلاته صلى الله عليه وسلم : وفيه أن السنن المتفق عليها لم يستوعبها كل واحد ممن وصف صلاته صلى الله عليه وسلم إنما أخذ مجموعها من مجموعهم .
والحاصل أن حديث مالك بن الحويرث حجة قوية لمن قال بسنية جلسة الاستراحة وهو الحق ، والأعذار التي ذكرها الحنفية وغيرهم لا يليق أن يلتفت إليها .
قوله : ( حديث مالك بن الحويرث حديث حسن صحيح ) أخرجه الجماعة إلا مسلما nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه .
قوله : ( والعمل عليه عند بعض أهل العلم ) وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وطائفة من أهل الحديث ، وإلى القول بها رجع أحمد كما تقدم .
تنبيه : اعلم أنه قد ثبت أن nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد رجع عن القول بترك جلسة الاستراحة إلى القول بها . قال ابن قدامة في المغني : واختلفت الرواية عن أحمد هل يجلس للاستراحة ، فروي عنه لا يجلس وهو اختيار nindex.php?page=showalam&ids=14209الخرقي ، والرواية الثانية أنه يجلس واختارها الخلال ، قال الخلال : رجع أبو عبد الله إلى هذا يعني ترك قوله بترك الجلوس لما روى مالك بن الحويرث أن النبي صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=hadith&LINKID=750736كان يجلس إذا رفع رأسه من السجود قبل أن ينهض متفق عليه ، وذكره أيضا أبو حميد في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حديث حسن صحيح فيتعين العمل به والمصير إليه ، انتهى .
وكذلك في الشرح الكبير على متن المقنع لشمس الدين أبي الفرج عبد الرحمن المقدسي وفيه : والثانية أنه يجلس ، اختارها الخلال ، قال الخلال : رجع أبو عبد الله عن قوله بترك الجلوس . وقال الحافظ ابن القيم في زاد المعاد : قال الخلال : رجع أحمد إلى حديث مالك بن الحويرث في جلسة الاستراحة ، انتهى . وكذلك [ ص: 146 ] في كثير من كتب الحنابلة وغيرهم . ففي رجوع nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد عن القول بترك جلسة الاستراحة إلى القول بها لا شك فيه ، وقد نقل بعض الحنفية في تعليقاته على الترمذي رجوعه عن الحافظ ابن حجر ، وعن ابن القيم ، ثم قال : وظني أن أحمد لم يرجع ، انتهى . قلت : مبنى ظنه هذا ومنشؤه ليس إلا التقليد ، فإنه إذا تمكن في قلب ورسخ فيه ينشأ منه كذلك ظنون فاسدة ( وبه يقول أصحابنا ) يعني أصحاب الحديث ، وقد تقدم في المقدمة أن الترمذي رحمه الله إذا قال : أصحابنا ، يريد بهم أصحاب الحديث .