قوله : ( خمس من الفطرة ) قال في النهاية : أي من السنة ، يعني سنن الأنبياء عليهم السلام التي أمرنا أن نقتدي بهم ، وقال في مجمع البحار : أي من السنة القديمة التي اختارها الأنبياء عليهم السلام واتفقت عليها الشرائع فكأنها أمر جبلي فطروا عليه ، منها : قص الشارب . فسبحانه . ! ما أسخف عقول قوم طولوا الشارب وأحفوا اللحية عكس ما عليه فطرة جميع الأمم قد بدلوا فطرتهم نعوذ بالله ، انتهى . ويسوغ الابتداء بالنكرة أن قوله " خمس " صفة موصوف محذوف ، والتقدير : خصال خمس ، ثم فسرها أو على الإضافة أي خمس خصال ، ويجوز أن تكون الجملة خبر مبتدأ محذوف ، والتقدير : الذي شرع لكم خمس من الفطرة ( الاستحداد ) أي حلق العانة ، سمي [ ص: 28 ] استحدادا لاستعمال الحديدة وهي الموسى وهو سنة ، والمراد به نظافة ذلك الموضع والأفضل فيه الحلق ويجوز بالقص والنتف والنورة ، والمراد بالعانة الشعر فوق ذكر الرجل وحواليه ، وكذلك الشعر الذي حول فرج المرأة ، ونقل عن أبي العباس بن سريج : أنه الشعر النابت حول حلقة الدبر ، فيحصل من مجموع هذا استحباب حلق جميع ما على القبل والدبر وحولهما ( والختان ) بكسر المعجمة وتخفيف المثناة مصدر ختن أي قطع ، والختن بفتح ثم سكون : قطع بعض مخصوص عن عضو مخصوص ، والختان اسم لفعل الخاتن ولموضع الختان أيضا كما في حديث عائشة : nindex.php?page=hadith&LINKID=720122إذا التقى الختانان . والأول المراد به هنا . قال nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي : ختان الذكر قطع الجلدة التي تغطي الحشفة ، والمستحب أن يستوعب من أصلها عند أول الحشفة ، وأقل ما يجزئ أن لا يبقى منها ما يتغشى به شيء من الحشفة .
وقال إمام الحرمين : المستحق في الرجال قطع القلفة ، وهي الجلدة التي تغطي الحشفة حتى لا يبقى من الجلدة شيء متدل . وقال ابن الصباغ : حتى تنكشف جميع الحشفة . قال الإمام : والمستحق من ختان المرأة ما ينطلق عليه الاسم . قال nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي : ختانها قطع جلدة تكون في أعلى فرجها فوق مدخل الذكر كالنواة أو كعرف الديك والواجب قطع الجلدة المستعلية منه دون استئصاله . وقد أخرج أبو داود من حديث أم عطية : nindex.php?page=hadith&LINKID=755998أن امرأة كانت تختن بالمدينة ، فقال لها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : لا تنهكي فإن ذلك أحظى للمرأة ، وقال إنه ليس بالقوي . قال الحافظ : له شاهدان من حديث أنس ، ومن حديث أم أيمن عند nindex.php?page=showalam&ids=11868أبي الشيخ في كتاب العقيقة وآخر عن الضحاك بن قيس عند nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي .
[ ص: 29 ] واختلف في أن الختان واجب أو سنة ! قال الحافظ في الفتح : قد ذهب إلى وجوب الختان nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وجمهور أصحابه ، وقال به من القدماء عطاء حتى قال : لو أسلم الكبير لم يتم إسلامه حتى يختتن . وعن أحمد وبعض المالكية يجب . وعن أبي حنيفة واجب وليس بفرض وعنه سنة يأثم بتركه . وفي وجه للشافعية لا يجب في حق النساء وهو الذي أورده صاحب المغني عن أحمد ، وذهب أكثر العلماء وبعض الشافعية أنه ليس بواجب .
واحتج القائلون بالوجوب بروايات لا يخلو واحدة منها عن مقال ، وقد ذكرها الشوكاني في النيل مع الكلام عليها ثم قال : والحق أنه لم يقم دليل صحيح يدل على الوجوب والمتيقن السنة كما في حديث : nindex.php?page=hadith&LINKID=756001خمس من الفطرة . والواجب الوقوف على المتيقن إلى أن يقوم ما يوجب الانتقال عنه . انتهى . ( وقص الشارب ) أي قطع الشعر النابت على الشفة العليا من غير استئصال ، وسيأتي الكلام في هذه المسألة مفصلا بعد باب (ونتف الإبط ) بكسر الهمزة والموحدة وسكونها وهو المشهور وصوبه الجواليقي وهو يذكر ويؤنث ، وتأبط الشيء وضعه الشيء تحت إبطه والمستحب البداءة فيه باليمنى ، ويتأدى أصل السنة بالحلق ولا سيما من يؤلمه النتف ، وقد أخرج ابن أبي حاتم في مناقب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي عن nindex.php?page=showalam&ids=17418يونس بن عبد الأعلى قال : دخلت على nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ورجل يحلق إبطه فقال : إني علمت أن السنة النتف ولكن لا أقوى على الوجع . قال nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي : هو في الابتداء موجع ولكن يسهل على من اعتاده . قال والحق كاف لأن المقصود النظافة ، وتعقب بأن الحكمة في نتفه أنه محل للرائحة الكريهة وإنما ينشأ ذلك من الوسخ الذي يجتمع بالعرق فيه فيتلبد ويهيج ، فشرع فيه النتف الذي يضعفه فتخف الرائحة به ، بخلاف الحلق فإنه يقوي الشعر ويهيجه ، فتكثر الرائحة لذلك ، وقال ابن دقيق العيد : من نظر إلى اللفظ وقف مع النتف ، ومن نظر إلى المعنى أجازه بكل مزيل ، لكن بين أن النتف مقصود من جهة المعنى ، فذكر نحو ما تقدم ، قال وهو معنى ظاهر لا يهمل ، فإن مورد النص إذا احتمل معنى مناسبا يحتمل أن يكون مقصودا في الحكم لا يترك ، والذي يقوم مقام النتف في ذلك التنور لكنه يرق الجلد ، فقد يتأذى صاحبه به ولا سيما إن كان جلده رقيقا ، وتستحب البداءة في إزالته باليد اليمنى ويزيل ما في اليمنى بأصابع اليسرى ، وكذا اليسرى إن أمكن وإلا فباليمنى ( وتقليم الأظفار ) هو تفعيل من القلم وهو القطع ، والأظفار جمع ظفر بضم الظاء والفاء وبسكونها ، والمراد إزالة ما يزيد على ما يلابس رأس الأصبع من الظفر ; لأن الوسخ يجتمع فيه فيستقذر ، وقد ينتهي إلى حد يمنع من وصول الماء إلى ما يجب غسله في الطهارة . قال الحافظ : لم يثبت في ترتيب الأصابع عند القص شيء من الأحاديث لكن جزم النووي في شرح مسلم بأنه يستحب البداءة بمسبحة اليمنى ثم بالوسطى ثم البنصر ثم الخنصر ثم [ ص: 30 ] الإبهام ، وفي اليسرى بالبداءة بخنصرها ثم بالبنصر إلى الإبهام . ويبدأ في الرجلين بخنصر اليمنى إلى الإبهام وفي اليسرى بإبهامها إلى الخنصر ، ولم يذكر للاستحباب مستندا . انتهى كلام الحافظ وقد بسط الكلام في هذا المقام بسطا حسنا .
قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه أحمد والشيخان وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه .