( إن نوفا ) بفتح النون وسكون الواو بعدها فاء : هو ابن فضالة ( البكالي ) بكسر الموحدة وبالكاف مخففا وبعد الألف لام وهو منسوب إلى بني بكال بن دعمي بن سعد بن عوف بطن من حمير ، ويقال إنه ابن امرأة كعب الأحبار ، وقيل ابن أخيه ، وهو تابعي صدوق ( يزعم أن موسى صاحب بني إسرائيل ليس بموسى صاحب الخضر ) وفي رواية ابن إسحاق عن سعيد بن جبير عند nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي قال : كنت عند ابن عباس وعنده قوم من أهل الكتاب ، فقال بعضهم يا ابن عباس : إن نوفا يزعم عن كعب الأحبار أن موسى الذي طلب العلم إنما هو موسى بن ميشا أي ابن إفراثيم بن يوسف عليه السلام ، فقال ابن عباس : أسمعت ذلك منه يا سعيد ؟ قلت نعم ، قال : كذب نوف .
قال ابن إسحاق في المبتدأ : كان موسى بن ميشا قبل موسى بن عمران نبيا في بني إسرائيل ، ويزعم أهل الكتاب أنه الذي صحب الخضر كذا في الفتح ( قال كذب عدو الله ) هذان اللفظان محمولان على إرادة المبالغة في الزجر والتنفير عن تصديق تلك المقابلة . قال ابن التين : لم يرد ابن عباس إخراج نوف عن ولاية الله ، ولكن قلوب العلماء تتنفر إذ سمعت غير الحق فيطلقون أمثال هذا الكلام لقصد الزجر وحقيقته غير مرادة ( فعتب الله عليه ) العتب من الله تعالى محمول على ما [ ص: 468 ] يليق به لا على معناه العرفي في الآدميين كنظائره ( أن عبدا من عبادي بمجمع البحرين ) اختلف في مكان مجمع البحرين ، فروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال : بحر فارس والروم ، وقيل غير ذلك ، وذكر الحافظ في الفتح أقوالا مختلفة فيه ثم قال : هذا اختلاف شديد ( أي رب ) أصله ربي حذفت ياء المتكلم للتخفيف اكتفاء بالكسر ( فكيف لي به ) أي كيف الالتقاء لي بذلك العبد ( أحمل حوتا في مكتل ) بكسر الميم وفتح المثناة من فوق قال في القاموس : هو زنبيل يسع خمسة عشر صاعا . وفي رواية أبي إسحاق عند مسلم : فقيل له تزود حوتا مالحا .
قال الحافظ : يستفاد من هذه الرواية أن الحوت كان ميتا ; لأنه لا يملح وهو حي ( فهو ثم ) بفتح الثاء المثلثة ظرف بمعنى هناك ، وقالت النحاة : هو اسم يشار به إلى المكان البعيد ، أي فذلك العبد في ذلك المكان ( فتاه ) أي صاحبه ( وهو يوشع ) بضم التحتية وسكون الواو وفتح الشين المعجمة ( بن نون ) مصروف كنوح . ويوشع بن نون هذا من أولاد يوسف عليه السلام ، وإنما قال فتاه لأنه كان يخدمه ويتبعه ، وقيل كان يأخذ العلم عنه وهو الذي قام في بني إسرائيل بعد موت موسى ( حتى إذا أتيا الصخرة ) أي التي عند مجمع البحرين ، والصخرة في اللغة الحجر الكبير ( فأمسك الله عنه جرية الماء ) أي جريانه ( حتى كان مثل الطاق ) الطاق ما عطف من الأبنية أي جعل كالقوس من قنطرة ونافذة وما أشبه ذلك ، وفي رواية لمسلم : فاضطرب الحوت في الماء فجعل لا يلتئم عليه حتى صار مثل الكوة ( وكان للحوت سربا ) أي مسلكا ومذهبا يسرب ويلعب فيه ( وكان لموسى وفتاه عجبا ) أي شيئا يتعجب منه آتنا غداءنا أي طعامنا وزادنا نصبا أي شدة وتعبا ( لم ينصب ) أي لم يتعب من باب سمع يسمع .
[ ص: 469 ] وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : ولم يجد موسى النصب أرأيت أي أخبرني إذ ظرف بمعنى حين وفيه حذف تقديره أرأيت ما دهاني إذ أوينا إلخ ذلك أي فقدان الحوت ما كنا نبغ أي هو الذي كنا نطلبه لأنه علامة وجدان المقصود فارتدا أي رجعا على آثارهما أي آثار سيرهما قصصا أي يقصان قصصا ( يقصان آثارهما ) . قال في القاموس : قص أثره قصا وقصصا تتبعه ، وقال فيه ( فارتدا على آثارهما قصصا ) أي رجعا من الطريق الذي سلكاه يقتصان الأثر .
قال سفيان : يزعم ناس إلى قوله ( فلما قطر عليه الماء عاش ) وعند nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في التفسير : قال سفيان وفي حديث غير عمرو قال وفي أصل الصخرة عين يقال لها الحياة ، لا يصيب من مائها شيء إلا حيي ، فأصاب الحوت من ماء تلك العين ، قال فتحرك وانسل من المكتل فدخل البحر .
قال الحافظ : هذه الزيادة التي ذكر سفيان أنها في حديث غير عمر ، قد أخرجها ابن مردويه من رواية إبراهيم بن يسار عن سفيان مدرجة في حديث عمرو ، وأظن أن ابن عيينة أخذ ذلك عن قتادة ، فقد أخرج ابن أبي حاتم من طريقه قال : فأتى على عين في البحر يقال لها عين الحياة فلما أصاب تلك العين رد الله روح الحوت إليه . وقد أنكر الداودي فيما حكاه ابن التين هذه الزيادة فقال : لا أرى هذا يثبت فإن كان محفوظا فهو من خلق الله وقدرته . انتهى . وقوله قطر عليه الماء من القطر : وهو بالفارسية جكيدن وجكانيدان لازم ومتعد ( مسجى ) اسم مفعول من التسجية أي مغطى ( فسلم عليه موسى ) وفي رواية لمسلم : فقال السلام عليكم ، فكشف الثوب عن وجهه وقال وعليكم السلام ( فقال أنى بأرضك السلام ) قال الحافظ : هي بمعنى أين أو كيف ، وهو استفهام استبعاد ، يدل على أن أهل تلك الأرض لم يكونوا إذ ذاك مسلمين ( فقال أنا موسى ) في [ ص: 470 ] رواية nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : من أنت ؟ قال : أنا موسى ( إنك على علم من الله علمكه الله لا أعلمه ) أي لا أعلم جميعه ( وأنا على علم من الله علمنيه لا تعلمه ) أي لا تعلم جميعه . وتقدير ذلك متعين ; لأن الخضر كان يعرف من الحكم الظاهر ما لا غنى بالمكلف عنه ، وموسى كان يعرف من الحكم الباطن ما يأتيه بطريق الوحي رشدا صفة لمحذوف ، أي علما رشدا أي ذا رشد ، وهو من قبيل رجل عدل إنك لن تستطيع معي صبرا كذا أطلق بالصيغة الدالة على استمرار النفي لما أطلعه الله عليه من أن موسى لا يصبر على ترك الإنكار إذا رأى ما يخالف الشرع ; لأن ذلك شأن عصمته ، ولذلك لم يسأله موسى عن شيء من أمور الديانة ، بل مشى معه ليشاهد منه ما اطلع به على منزلته في العلم الذي اختص به وكيف تصبر استفهام عن سؤال تقديره : لم قلت أني لا أصبر وأنا سأصبر؟ قال : كيف تصبر على ما لم تحط به خبرا أي علما ( فانطلق الخضر وموسى يمشيان ) لم يذكر فتى موسى وهو يوشع لأنه تابع غير مقصود بالأصالة ( فكلماهم ) أي أهل السفية ( بغير نول ) بفتح النون وسكون الواو وهو الأجرة ( فنزعه ) أي قلعه إمرا أي منكرا . قاله مجاهد : أو عظيما ، قاله قتادة : لا تؤاخذني بما نسيت كلمة " ما " يجوز أن تكون موصولة أي بالذي نسيت والعائد محذوف أي نسيته ، ويجوز أن تكون مصدرية أي بنسياني ، ويجوز أن تكون نكرة بمعنى شيء ، أي بشيء نسيته لا ترهقني أي لا تكلفني عسرا أي مشقة في صحبتي إياك ، أي عاملني فيها بالعفو واليسر ( فأخذ الخضر برأسه فاقتلعه ) وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=12070للبخاري : [ ص: 471 ] فأخذ غلاما كافرا ظريفا فأضجعه ثم ذبحه بالسكين . ويجمع بينهما بأنه ذبحه ثم اقتلع رأسه أقتلت نفسا زكية أي طاهرة من الذنوب بغير نفس أي بغير قصاص لك عليها نكرا أي منكرا وعن قتادة وابن كيسان : النكر أشد وأعظم من الإمر ( وهذه أشد من الأولى ) أي أوكد من الأولى حيث زاد كلمة لك فلا تصاحبني أي فارقني قد بلغت من لدني عذرا أي بلغت إلى الغاية التي تعذر بسببها في فراقي حتى إذا أتيا أهل قرية قيل الأيلة ، وقيل أنطاكية ، وقيل : أذربيجان ، وقيل غير ذلك . وذكر الحافظ في الفتح أقوالا عديدة ثم قال : هذا الاختلاف قريب من الاختلاف في المراد بمجمع البحرين ، وشدة المباينة في ذلك تقتضي أن لا يوثق بشيء من ذلك أن يضيفوهما أي ينزلوهما بمنزلة الأضياف فيها أي في القرية يريد أن ينقض هذا من المجاز ; لأن الجدار لا يكون له حقيقة إرادة ، أي قرب ودنا من الانقضاض وهو السقوط واستدل الأصوليون بهذا على وجود المجاز في القرآن وله نظائر معروفة ( يقول مائل ) هذا تفسير لقوله يريد أن ينقض من بعض الرواة ( فقال الخضر بيده هكذا ) أي أشار إليه بيده وهو من إطلاق القول على الفعل وهذا في كلام العرب كثير ( قوم ) أي هؤلاء قوم أو هم قوم لاتخذت عليه أجرا أي أجرة وجعلا قال أي الخضر لموسى هذا فراق أي وقت فراق بيني وبينك فيه إضافة بين إلى غير متعدد سوغها تكريره بالعطف بالواو سأنبئك قبل فراقي " يرحم الله موسى " إخبار ولكن المراد منه الإنشاء لأنه دعاء له بالرحمة " الأولى " صفة موصوفها محذوف أي المسألة الأولى " نسيانا " خبر كانت وعند nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في التفسير كانت الأولى نسيانا والوسطى شرطا والثالثة عمدا . قال العيني قوله : نسيانا حيث قال : لا تؤاخذني بما نسيت ؟ وشرطا حيث قال : إن سألتك عن شيء بعدها ، وعمدا حيث قال : لو شئت لاتخذت عليه أجرا " وجاء عصفور " بضم أوله طير مشهور وقيل هو الصرد " على [ ص: 472 ] حرف السفينة " أي على طرفها " ما نقص علمي وعلمك من علم الله " لفظ النقص ليس على ظاهره لأن علم الله لا يدخله النقص ، فقيل معناه لم يأخذ ، وهذا توجيه حسن ويكون التشبيه واقعا على الأخذ لا على المأخوذ منه ، وأحسن منه أن المراد بالعلم المعلوم بدليل دخول حرف التبعيض لأن العلم القائم بذات الله تعالى صفة قائمة لا تتبعض والمعلوم هو الذي يتبعض . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي : المراد أن نقص العصفور لا ينقص البحر بهذا المعنى وهو كما قيل :
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب
.
أي ليس فيهم عيب .
وحاصله : أن نفي النقص أطلق على سبيل المبالغة ، وقيل إلا بمعنى ولا ، أي ولا كنقرة هذا العصفور . وقد وقع في رواية nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج بلفظ أحسن سياقا من هذا وأبعد إشكالا ، فقال : nindex.php?page=hadith&LINKID=755249ما علمي وعلمك في جنب علم الله إلا كما أخذ هذا العصفور بمنقاره من البحر ، وهو تفسير للفظ الذي وقع هنا ، كذا في الفتح ( يقرأ وكان أمامهم ) والقراءة المشهورة : وكان وراءهم ( ملك يأخذ كل سفينة صالحة ) كذا كان يقرأ ابن عباس بزيادة صالحة بعد كل سفينة ، وكذا كان يقرأ أبي ففي رواية nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي : وكان أبي يقرأ : يأخذ كل سفينة صالحة غصبا ، وفي رواية إبراهيم بن يسار عن سفيان ، وكان ابن مسعود يقرأ كل سفينة صحيحة غصبا ( وكان يقرأ ) أي ابن عباس ( وأما الغلام فكان كافرا ) والقراءة المشهورة : وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين .
قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في مواضع فوق العشرة ، ومسلم في أحاديث الأنبياء ، nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ( قال أبو مزاحم السمرقندي ) اسمه سباع بكسر السين المهملة بعدها [ ص: 473 ] موحدة ابن النضر ، مقبول من الثانية عشرة ( وليست لي همة ) بالكسر ويفتح ما هم به من أمر ليفعل وأول العزم والعزم القوي ( إلا أن أسمع من سفيان يذكر في هذا الحديث الخبر ) أي لفظ حدثنا أو أخبرنا ( حتى سمعته ) أي سفيان ( يقول حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16666عمرو بن دينار ، وقد كنت سمعت هذا ) أي هذا الحديث ( من سفيان قبل ذلك ولم يذكر الخبر ) أي لم يذكر سفيان لفظ : حدثنا أو أخبرنا ، بل ذكر لفظ عن أو قال أو نحوهما ، وإنما لم يقنع ابن المديني على ما سمع هذا الحديث من سفيان بغير لفظ الخبر لأنه كان يدلس ، وإن كان تدليسه من الثقات كما صرح به الحافظ في طبقات المدلسين .