( ومن سورة تبت ) وتسمى سورة أبي لهب أيضا مكية وهي خمس آيات .
قوله : ( صعد ) من التصعيد أي رقي . قال في القاموس صعد في السلم كسمع صعودا وصعد في الجبل وعليه تصعيدا رقي ولم يسمع صعد فيه ( يا صباحاه ) هذه كلمة يقولها المستغيث وأصلها إذا صاحوا للغارة لأنهم أكثر ما كانوا يغيرون بالصباح ويسمون يوم الغارة يوم الصباح ، وكأن القائل يا صباحاه يقول قد غشينا العدو ( إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ) أي قبل نزول عذاب عظيم وعقاب أليم ، والمعنى أنكم إن لم تؤمنوا بي ينزل عليكم عذاب قريب ، قال الطيبي : قوله " بين يدي " ظرف لغو نذير وهو بمعنى قدام لأن كل من يكون قدام أحد يكون بين الجهتين المسامتتين ليمينه وشماله ، وفيه تمثيل مثل إنذاره لقوم بعذاب الله تعالى النازل على القوم بنذير قوم يتقدم جيش العدو فينذرهم ( أرأيتم ) أي أخبروني ( ممسيكم أو مصبحكم ) كلاهما بصيغة اسم الفاعل من باب تفعيل أي مغيركم في المساء أو الصباح ( فقال أبو لهب ) هو ابن عبد المطلب واسمه عبد العزى وأمه خزاعية وكني أبا لهب إما لابنه لهب وإما لشدة حمرة وجنته ، وقد أخرج الفاكهي من طريق عبد الله بن كثير قال : إنما سمي أبا لهب لأن وجهه كان يتلهب من حسنه انتهى ، ووافق ذلك ما آل إليه أمره من أنه سيصلى نارا ذات لهب . ولهذا ذكر في القرآن بكنيته دون اسمه ولكونه بها أشهر ، ولأن في اسمه إضافة إلى الصنم ، ومات بعد وقعة بدر ولم يحضرها بل أرسل عنه بديلا فلما بلغه ما جرى لقريش مات عنها ( ألهذا ) الهمزة للاستفهام على وجه الإنكار ( تبا لك ) أي خسرانا وهلاكا ونصبه بعامل مضمر . قاله القاضي فهو إما نصب على المصدر والمعنى تب تبا أو بإضمار فعل أي ألزمك الله هلاكا وخسرانا وألزم تبا تبت أي خسرت يدا أبي لهب أي جملته وعبر عنها باليدين مجازا لأن أكثر الأفعال تزاول بهما وهذه الجملة دعاء وتب أي خسر هو وهذه [ ص: 210 ] خبر كقولهم أهلكهم الله وقد هلك . ولما خوفه النبي صلى الله عليه وسلم بالعذاب فقال : إن كان ما يقول ابن أخي حقا أفتدي منه بمالي وولدي نزل ما أغنى عنه ماله ما للنفي وما كسب مرفوع وما موصولة أو مصدرية أي ومكسوبه أو وكسبه أي لم ينفعه ماله الذي ورثه من أبيه والذي كسبه بنفسه أو ماله التالد والطارف ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما ما كسب ولده سيصلى أي سيدخل نارا ذات لهب أي ذات توقد وتلهب وامرأته عطف على ضمير " يصلى " سوغه الفصل بالمفعول وصفته وهي أم جميل بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان بن حرب عمة معاوية بن أبي سفيان وكانت في نهاية العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمالة الحطب قرأ الجمهور " حمالة " بالرفع على الخبرية على أنها جملة مسوقة للإخبار بأن امرأة أبي لهب حمالة الحطب ، وأما على ما قدمنا من عطف " وامرأته " على الضمير في " يصلى " فيكون رفع " حمالة " على النعت لامرأته والإضافة حقيقية لأنها بمعنى المضي أو على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هي حمالة ، وقرأ عاصم بالنصب على الذم أي أعني حمالة الحطب أو على أنه حال من امرأته واختلف أهل التأويل في معنى قوله حمالة الحطب فقيل كانت تحمل الشوك والحسك والعضاه بالليل فتطرحه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لتؤذيهم بذلك وهي رواية عن ابن عباس ، وقيل كانت تمشي بالنميمة وتنقل الحديث وتلقي العداوة بين الناس وتوقد نارها كما توقد النار الحطب يقال فلان يحطب على فلان إذا نم به في جيدها أي عنقها حبل من مسد أي ليف ، وهذه الجملة حال من الضمير المستكين في حمالة الحطب الذي هو نعت لامرأته أو خبر مبتدأ مقدر أو خبر ثان لقوله وامرأته . قال الرازي في تفسيره قوله تعالى : في جيدها حبل من مسد قال الواحدي : المسد في كلام العرب الفتل ، يقال مسد الحبل يمسده مسدا إذا أجاد فتله ، وحبل ممدود إذا كان مجدول الخلق ، والمسد ما مسد أي فتل من أي شيء كان فيقال لما فتل من جلود الإبل ومن الليف والخوص مسد ، ولما فتل من الحديد أيضا مسد . إذا عرفت هذا فنقول : ذكر المفسرون وجوها ، أحدها : في جيدها حبل مما مسد من الحبال لأنها كانت تحمل تلك الحزمة من الشوك وتربطها في جيدها كما يفعل الحطابون . والمقصود بيان خساستها تشبيها لها بالحطابات إيذاء لها ولزوجها .
وثانيها : أن يكون المعنى أن حالها يكون في نار جهنم على الصورة التي كانت عليها حين كانت تحمل الحزمة من الشوك فلا تزال على ظهرها حزمة من حطب النار من شجرة الزقوم وفي جيدها حبل من سلاسل النار . فإن قيل الحبل المتخذ من المسد كيف يبقى أبدا في النار ، قلنا كما يبقى الجلد واللحم والعظم أبدا في النار . ومنهم من قال ذلك المسد يكون من الحديد وظن من ظن أن المسد لا يكون من الحديد خطأ لأن المسد هو المفتول سواء كان من الحديد أو من غيره . قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه الشيخان nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي .