( باب ما جاء أن الوتر ليس بحتم ) أي ليس بواجب . وقد ذهب الجمهور إلى أن الوتر غير واجب بل سنة وخالفهم أبو حنيفة فقال : إنه واجب ، وروي عنه أنه فرض . قال الحافظ ابن حجر : وقد بالغ أبو حاتم فادعى أن أبا حنيفة انفرد بوجوب الوتر ولم يوافقه صاحباه . مع أن ابن أبي شيبة أخرج عن nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب nindex.php?page=showalam&ids=12077وأبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود والضحاك ، يدل على وجوبه عندهم وعنده عن مجاهد : الوتر واجب ، ولم يثبت ، ونقله nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي عن أصبغ عن المالكية ووافقه سحنون وكأنه أخذه من قول مالك من تركه أدب وكان جرحة في شهادته ، انتهى .
[ ص: 441 ] قوله : ( الوتر ليس بحتم ) قال في النهاية : الحتم اللازم الواجب الذي لا بد من فعله ، انتهى ( ولكن سن رسول الله صلى الله عليه وسلم ) أي جعله مسنونا غير حتم ( إن الله وتر ) قال في النهاية : الوتر الفرد وتكسر واوه وتفتح ، فالله واحد في ذاته لا يقبل الانقسام والتجزئة ، واحد في صفاته فلا شبه له ولا مثل ، واحد في أفعاله فلا شريك له ولا معين ( يحب الوتر ) أي يثيب عليه ويقبله من عامله . قال القاضي : كل ما يناسب الشيء أدنى مناسبة كان أحب إليه مما لم يكن له تلك المناسبة ( فأوتروا ) أمر بصلاة الوتر وهو أن يصلي مثنى مثنى ، ثم يصلي في آخرها ركعة مفردة أو يضيفها إلى ما قبلها من الركعات كذا في النهاية . قال ابن الملك : الفاء تؤذن بشرط مقدر كأنه قال : إذا اهتديتم إلى أن الله يحب الوتر فأوتروا ، انتهى ( يا أهل القرآن ) أي أيها المؤمنون به ، فإن الأهلية عامة لمن آمن به سواء قرأ أم لم يقرأ ، إن كان الأكمل منهم من قرأ وحفظ وعلم وعمل شاملة ممن تولى قيام تلاوته ومراعاة حدوده وأحكامه .
قوله : ( وفي الباب عن ابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ) أما حديث ابن عمر فأخرجه مالك في الموطأ بلاغا أن رجلا سأل ابن عمر عن الوتر أواجب هو ؟ فقال عبد الله : قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوتر المسلمون ، فجعل الرجل يردد عليه وعبد الله يقول أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوتر المسلمون : وأما حديث ابن مسعود فأخرجه محمد بن نصر في كتاب قيام الليل من طريق أبي عبيدة عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=751196إن الله وتر يحب الوتر فأوتروا يا أهل القرآن ، فقال أعرابي ما يقول النبي ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم : ليست لك ولا لأحد من أصحابك . وفي رواية ما يقول رسول الله ؟ قال : لست من أهله . وأما حديث ابن عباس فأخرجه أحمد nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي مرفوعا : nindex.php?page=hadith&LINKID=874545ثلاث هن علي فرائض ولكم تطوع : النحر والوتر وركعتا الضحى . هذا لفظ أحمد ، وهو حديث ضعيف كما بينه الحافظ في التلخيص : وفي الباب عن عبادة بن الصامت أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم بلفظ : قال : الوتر حسن جميل عمل به النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده وليس بواجب ، ورواته ثقات قاله nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي كذا في التلخيص
قوله : ( حديث علي حديث حسن ) وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي وصححه nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم .
قلت : هذا الحديث إنما يدل على وجوب جعل آخر صلاة بالليل وترا لا على وجوب نفس الوتر والمطلوب هذا لا ذا : فالاستدلال به على وجوب الوتر غير صحيح ، وكذا الاستدلال بحديث جابر رضي الله عنه : nindex.php?page=hadith&LINKID=751204أوتروا قبل أن تصبحوا ، رواه الجماعة إلا nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ليس بصحيح ، فإنه إنما يدل على وجوب الإيتار قبل الإصباح لا على وجوب نفس الإيتار .
واستدلوا أيضا بحديث بريدة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : nindex.php?page=hadith&LINKID=751199الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا ، الحديث رواه أبو داود . قال الحافظ في الفتح : في سنده أبو المنيب وفيه ضعف ، وعلى تقدير قبوله فيحتاج من احتج به إلى أن يثبت أن لفظ حق بمعنى واجب في عرف الشارع ، وأن لفظ واجب بمعنى ما ثبت من طريق الآحاد ، انتهى .
قال ابن قدامة في المغني بعد ذكر أحاديث القائلين بوجوب الوتر ما لفظه : وأحاديثهم قد تكلم فيها ، ثم إن المراد بها تأكيده وفضيلته وأنه سنة مؤكدة وذلك حق ، وزيادة الصلاة يجوز أن تكون سنة ، والتوعد على تركه للمبالغة في تأكيده كقوله : من أكل هاتين الشجرتين فلا يقربن مسجدنا ، انتهى . وقال الشوكاني في النيل بعد ذكر الأحاديث التي تدل بظاهرها على الوجوب والأحاديث [ ص: 443 ] التي تدل على عدمه ما لفظه : واعلم أن هذه الأحاديث فيها ما يدل على الوجوب كقوله : فليس منا ، وقوله الوتر حق وقوله : أوتروا وحافظوا ، وقوله الوتر واجب ، وفيها ما يدل على عدم الوجوب وهو بقية أحاديث الباب فتكون صارفة لما يشعر بالوجوب . وأما حديث الوتر واجب ، فلو كان صحيحا لكان مشكلا ؛ لأن التصريح بالوجوب لا يصح أن يقال إنه مصروف إلى غيره بخلاف بقية الألفاظ المشعرة بالوجوب ، انتهى .