3939 [ ص: 61 ] ( عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حبب إلي من الدنيا النساء والطيب ، وجعلت قرة عيني في الصلاة ) قال بعضهم : في هذا قولان : أحدهما : أنه زيادة في الابتلاء والتكليف حتى [ ص: 62 ] يلهو بما حبب إليه من النساء عما كلف من أداء الرسالة ، فيكون ذلك أكثر لمشاقه وأعظم لأجره . والثاني : لتكون خلواته مع من يشاهدها من نسائه ، فيزول عنه ما يرميه به المشركون من أنه ساحر أو شاعر ، فيكون تحبيبهن إليه على وجه اللطف به ، وعلى القول الأول على وجه الابتلاء ، وعلى القولين فهو له فضيلة . وقال التستري في " شرح الأربعين " : " من " في هذا الحديث بمعنى " في " ؛ لأن هذه من الدين لا من الدنيا وإن كانت فيها ، والإضافة في رواية " دنياكم " للإيذان بأن لا علاقة له بها ، وفي هذا الحديث إشارة إلى وفائه صلى الله عليه وسلم بأصلي الدين ، وهما التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله ، وهما كمالا قوتيه النظرية والعملية ؛ فإن كمال الأولى بمعرفة الله ، والتعظيم دليل عليها ؛ لأنه لا يتحقق بدونها ، والصلاة - لكونها مناجاة الله تعالى على ما قال صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=757469المصلي يناجي ربه - نتيجة التعظيم على ما يلوح من أركانها ووظائفها . وكمال الثانية في الشفقة وحسن المعاملة مع الخلق ، وأولى الخلق بالشفقة بالنسبة إلى كل واحد من الناس نفسه وبدنه ، كما قال صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=817199ابدأ بنفسك ثم بمن تعول والطيب أخص الذات بالنفس ، ومباشرة النساء ألذ الأشياء بالنسبة إلى البدن ، مع ما يتضمن من حفظ الصحة ، وبقاء النسل المستمر لنظام الوجود ، ثم إن معاملة النساء أصعب من معاملة الرجال ؛ لأنهن أرق دينا ، وأضعف عقلا وأضيق خلقا ، كما قال صلى الله [ ص: 63 ] عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=757470ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن فهو عليه الصلاة والسلام أحسن معاملتهن بحيث عوتب بقوله تعالى : تبتغي مرضاة أزواجك وكان صدور ذلك منه طبعا لا تكلفا ، كما يفعل الرجل ما يحبه من الأفعال ، فإذا كانت معاملته معهن هذا ، فما ظنك بمعاملته مع الرجال الذين هم أكمل عقلا وأمثل دينا وأحسن خلقا ، وقوله : nindex.php?page=hadith&LINKID=751102وجعلت قرة عيني في الصلاة إشارة إلى أن كمال القوة النظرية أهم عنده وأشرف في نفس الأمر ، وأما تأخيره ؛ فللتدرج التعليمي من الأدنى إلى الأعلى ، وقدم الطيب على النساء لتقدم حظ النفس على حظ البدن في الشرف . وقال الحكيم الترمذي في " نوادر الأصول " : الأنبياء زيدوا في النكاح لفضل نبوتهم ، وذلك أن النور إذا امتلأ منه الصدر ففاض في العروق التذت النفس والعروق ، فأثار الشهوة وقواها . وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب أن النبيين عليهم الصلاة والسلام يفضلون بالجماع على الناس . وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=817202أعطيت قوة أربعين رجلا في البطش والنكاح ، وأعطي المؤمن قوة عشرة ، فهو بالنبوة ، والمؤمن بإيمانه ، والكافر له شهوة الطبيعة فقط ، قال : وأما الطيب فإنه يزكي الفؤاد ، وأصل الطيب إنما خرج من الجنة تزود آدم منها بورقة تستر بها ، فتركت عليه وروى أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي من حديث أبي أيوب ، قال : قال رسول الله [ ص: 64 ] صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=757471أربع من سنن المرسلين : التعطر والحياء والنكاح والسواك وقال الشيخ تقي الدين السبكي : السر في إباحة نكاح أكثر من أربع لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى أراد نقل بواطن الشريعة وظواهرها ، وما يستحيا من ذكره وما لا يستحيا منه ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد الناس حياء ، فجعل الله تعالى له نسوة ينقلن من الشرع ما يرينه من أفعاله ويسمعنه من أقواله التي قد يستحيي من الإفصاح بها بحضرة الرجال ؛ ليكتمل نقل الشريعة ، وكثر عدد النساء ليكثر الناقلون لهذا النوع ، ومنهن عرف مسائل الغسل والحيض والعدة ونحوها . قال : ولم يكن ذلك لشهوة منه في النكاح ، ولا كان يحب الوطء للذة البشرية معاذ الله ، وإنما حبب إليه النساء لنقلهن عنه ما يستحيي هو من الإمعان في التلفظ به ، فأحبهن لما فيه من الإعانة على نقل الشريعة في هذه الأبواب ، وأيضا فقد نقلن ما لم ينقله غيرهن مما رأينه في منامه وحالة خلوته من الآيات البينات على نبوته ، ومن جده واجتهاده في العبادة ، ومن أمور يشهد كل ذي لب أنها لا تكون إلا لنبي وما كان يشاهدها غيرهن ، فحصل بذلك خير عظيم . وقال الموفق عبد اللطيف البغدادي : لما كانت الصلاة جامعة لفضائل الدنيا والآخرة خصها بزيادة صفة ، وقدم الطيب لإصلاحه النفس ، [ ص: 65 ] وثنى بالنساء ؛ لإماطة أذى النفس بهن ، وثلث بالصلاة ؛ لأنها تحصل حينئذ صافية عن الشوائب خالصة عن الشواغل .