عمدة الدين عندنا كلمات أربع من كلام خير البريه اتق الشبهات وازهد ودع ما ليس يعنيك واعملن بنيه
قال المازري : وإنما نبه أهل العلم على عظم هذا الحديث ؛ لأن الإنسان إنما يعبد بطهارة قلبه وجسمه ، فأكثر المذام المحظورات إنما تنبعث من القلب ، وأشار صلى الله عليه وسلم لإصلاحه ، ونبه على أن إصلاحه هو إصلاح الجسم ، وأنه الأصل وهذا صحيح يؤمن به حتى من لا يؤمن بالشرع , وقد نص عليه الفلاسفة والأطباء , والأحكام والعبادات آلة يتصرف الإنسان عليها بقلبه وجسمه فيها يقع في مشكلات وأمور ملتبسات تكسب التساهل فيها ، وتعويد النفس الجراءة عليها ، وتكسب فساد الدين والعرض ، فنبه صلى الله عليه وسلم على توقي هذه , وضرب لها مثلا محسوسا لتكون النفس له أشد تصورا ، والعقل أعظم قبولا ، فأخبر أن الملوك لهم أحمية ، وكانت العرب تعرف في الجاهلية أن العزيز فيهم يحمي مروجا وأفنية ، ولا يتجاسر عليها ، ولا يدنى منها مهابة من سطوته ، أو خوفا من الوقوع في حوزته ، وهكذا محارم الله سبحانه من ترك منها ما قرب ، فهو من توسطها أبعد ، ومن تحامى طرف النهي أمن عليه أن يتوسط ، ومن قرب توسط ( وإن بين ذلك [ ص: 243 ] أمورا مشتبهات ) قال القاضي عياض : اختلف في حكم المشتبهات ، فقيل : مواقعتها حرام ، وقيل : حلال ، لكن يتورع عنه لاشتباهه ، وقيل : لا يقال فيها لا حلال ولا حرام لقوله : nindex.php?page=hadith&LINKID=757475الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات ، فلا يحكم لها بشيء من الحكمين . قال : وقد أكثر العلماء من الكلام على تفسير المشتبهات ، ونحن نبينها على أمثل طريقة ، فاعلم أن الاشتباه هو الالتباس ، وإنما يطلق [ ص: 244 ] في مقتضى هذه التسمية هاهنا على أمر أشبه أصلا ما ، وهو مع هذا يشبه أصلا آخر يناقض الأصل الأول ، فكأنه كثر اشتباهه ، فقيل : اشتبه بمعنى اختلط حتى كأنه شيء واحد من شيئين مختلفين ، إذا عرفت ذلك فقد يكون أصول الشرع المختلفة تتجاذب فرعا واحدا تجاذبا متساويا في حق بعض العلماء ، ولا يمكنه تصوير ترجيح ، ورده لبعض الأصول يوجب تحريمه ، ورده لبعضها يوجب حله ، فلا شك أن الأحوط هاهنا تجنب هذا ، ومن تجنبه وصف بالورع والتحفظ في الدين .