5034 [ ص: 122 ] ( إن هذا الدين يسر ) سماه يسرا مبالغة بالنسبة إلى الأديان قبله ؛ لأن الله تعالى رفع عن هذه الأمة الإصر الذي كان على من قبلهم ، ومن أوضح الأمثلة له أن توبتهم كانت بقتل أنفسهم ، وتوبة هذه الأمة بالإقلاع والعزم والندم ( ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ) قال ابن التين : في هذا الحديث علم من أعلام النبوة ، فقد رأينا ورأى الناس قبلنا أن كل متنطع في الدين ينقطع ، وليس المراد منه طلب الأكمل في العبادة ، فإنه من الأمور المحمودة ، بل منع من الإفراط المؤدي إلى الملال ، والمبالغة في التطوع المفضي إلى ترك الأفضل ، أو إخراج الفرض عن وقته ، كمن بات يصلي الليل كله ويغالب النوم إلى أن غلبته عيناه في آخر الليل ، فنام عن صلاة الصبح ، ( فسددوا ) أي الزموا السداد ، وهو الصواب ، من غير إفراط ولا تفريط ( وقاربوا ) أي : إن لم تستطيعوا الأخذ بالأكمل فاعملوا بما يقرب منه ، ( وأبشروا ) أي : بالثواب على العمل الدائم ، وإن قل ، أو المراد تبشير من عجز عن العمل بالأكمل بأن العجز إذا لم يكن من صنعه لا يستلزم نقص أجره ، وأبهم المبشر به تعظيما له وتفخيما ( واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة ) أي استعينوا على مداومة العبادة بإيقاعها [ ص: 123 ] في الأوقات المنشطة ، و " الغدوة " بالفتح : سير أول النهار ، وقال الجوهري : ما بين صلاة الغداة وطلوع الشمس ، والروحة بالفتح : السير بعد الزوال ، والدلجة بضم أوله وفتحه وإسكان اللام : سير آخر الليل ، وقيل : سير الليل كله ، ولهذا عبر فيه بالتبعيض ، ولأن عمل الليل أشق من عمل النهار ، فهذه الأوقات أطيب أوقات المسافرة ، فكأنه صلى الله عليه وسلم خاطب مسافرا إلى مقصد فنبهه على أوقات نشاطه ؛ لأن المسافر إذا سار الليل والنهار جميعا عجز وانقطع ، وإذا تحرى السير في هذه الأوقات المنشطة أمكنته المداومة من غير مشقة ، وحسن هذه الاستعارة أن الدنيا في الحقيقة [ ص: 124 ] دار نقلة إلى الآخرة .