5401 [ ص: 233 ] ( إنكم تختصمون إلي ، وإنما أنا بشر ) الحديث قال النووي : معناه التنبيه على حالة البشرية ، وأن البشر لا يعلمون من الغيب وبواطن الأمور شيئا إلا أن يطلعهم الله تعالى على شيء من ذلك ، وأنه يجوز [ ص: 234 ] عليه في أمور الأحكام ما يجوز على غيره ، إنما يحكم بين الناس بالظاهر ، والله يتولى السرائر ، فيحكم بالبينة وباليمين ونحو ذلك من أحكام الظاهر مع إمكان كونه في الباطن خلاف ذلك ، ولكنه إنما كلف الحكم بالظاهر ، وهذا نحو قوله صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=757482أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله وفي حديث المتلاعنين : nindex.php?page=hadith&LINKID=757483لولا الأيمان لكان لي ولها شأن ، ولو شاء الله لأطلعه صلى الله عليه وسلم على باطن أمر الخصمين ، فحكم بيقين نفسه من غير حاجة إلى شهادة أو يمين ، لكن لما أمر الله تعالى أمته باتباعه والاقتداء بأقواله وأفعاله وأحكامه أجرى أحكامه على الظاهر الذي يستوي فيه هو وغيره ؛ ليصح الاقتداء به ، وتطيب نفوس العباد بالانقياد للأحكام الظاهرة من غير نظر إلى الباطن . قال : فإن قيل : هذا الحديث ظاهره أنه يقع منه صلى الله عليه وسلم حكم في الظاهر يخالف ما في الباطن ، وقد اتفق الأصوليون على أنه صلى الله عليه وسلم لا يقر على خطأ في الأحكام؟ فالجواب أنه لا تعارض بين الحديث وقاعدة الأصوليين ؛ لأن مراد الأصوليين فيما حكم به باجتهاده ، فهل يجوز أن يقع فيه خطأ؟ وأما الحديث فمعناه : إذا حكم بغير الاجتهاد كالبينة واليمين ، فهذا إذا وقع منه ما يخالف ظاهره باطنه لا يسمى الحكم خطأ ، بل الحكم صحيح بناء على ما استقر به التكليف ، وهو وجوب العمل بشاهدين مثلا ، فإن كانا شاهدي زور أو نحو ذلك ، فالتقصير منهما ومن ساعدهما ، وأما الحكم فلا حيلة له في ذلك ، ولا عيب عليه بسببه ، بخلاف ما إذا أخطأ في الاجتهاد ، فإن هذا الذي حكم به ليس هو حكم الشرع .
وقال الشيخ تقي الدين السبكي : قوله : فمن قضيت له في حق أخيه بشيء قضية شرطية لا يستدعى وجودها ، بل معناها بيان أن ذلك جائز . قال : ولم يثبت لنا قط أنه صلى الله عليه وسلم حكم بحكم ، ثم بان خلافه لا بسبب تبين حجة ولا بغيرها ، وقد صان [ ص: 235 ] الله تعالى أحكام نبيه عن ذلك ، مع أنه لو وقع لم يكن فيه محذور .