[
قذف الجن بالشهب ، وآية ذلك على مبعثه صلى الله عليه وسلم ]
فلما تقارب أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحضر مبعثه ، حجبت الشياطين عن السمع ، وحيل بينها وبين المقاعد التي كانت تقعد لاستراق السمع فيها ، فرموا بالنجوم ، فعرفت الجن أن ذلك لأمر حدث من أمر الله في العباد
[ ص: 205 ] يقول الله تبارك وتعالى لنبيه
محمد صلى الله عليه وسلم حين بعثه ، وهو يقص عليه خبر الجن إذ حجبوا عن السمع ، فعرفوا ما عرفوا ، وما أنكروا من ذلك حين رأوا ما رأوا :
قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا إلى قوله :
وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا .
فلما سمعت الجن القرآن عرفت أنها إنما منعت من السمع قبل ذلك ، لئلا يشكل الوحي بشيء من خبر السماء فيلتبس على أهل الأرض ما جاءهم من الله فيه ، لوقوع الحجة ، وقطع الشبهة . فآمنوا وصدقوا ، ثم ولوا إلى قومهم منذرين
قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم الآية . وكان قول الجن :
وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا
أنه كان الرجل من العرب من
قريش وغيرهم
[ ص: 206 ] إذا سافر فنزل بطن واد من الأرض ليبيت فيه ، قال : إني أعوذ بعزيز هذا الوادي من الجن الليلة من شر ما فيه .
قال
ابن هشام : الرهق : الطغيان والسفه . قال
nindex.php?page=showalam&ids=15876رؤبة بن العجاج :
إذ تستبي الهيامة المرهقا
وهذا البيت في أرجوزة له . والرهق أيضا : طلبك الشيء حتى تدنو منه ، فتأخذه أو لا تأخذه . قال
nindex.php?page=showalam&ids=15876رؤبة بن العجاج يصف حمير وحش :
بصبصن واقشعررن من خوف الرهق
وهذا البيت في أرجوزة له . والرهق أيضا : مصدر لقول الرجل للرجل : رهقت الإثم أو العسر ، الذي أرهقتني رهقا شديدا ، أي حملت الإثم أو العسر الذي حملتني حملا شديدا ، وفي كتاب الله تعالى :
فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا وقوله
ولا ترهقني من أمري عسرا