[ ص: 576 ] [
ما نزل من آل عمران فيهم ]
فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم ، واختلاف أمرهم كله ، صدر سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية منها ، فقال جل وعز :
الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم فافتتح السورة بتنزيه نفسه عما قالوا ، وتوحيده إياها بالخلق والأمر ، لا شريك له فيه ، ردا عليهم ما ابتدعوا من الكفر ، وجعلوا معه من الأنداد ، واحتجاجا بقولهم عليهم في صاحبهم ، ليعرفهم بذلك ضلالتهم ؛ فقال :
الم الله لا إله إلا هو ليس معه غيره شريك في أمره
الحي القيوم الحي الذي لا يموت ، وقد مات
عيسى وصلب في قولهم . والقيوم : القائم على مكانه من سلطانه في خلقه لا يزول ، وقد زال
عيسى في قولهم عن مكانه الذي كان به ، وذهب عنه إلى غيره .
نزل عليك الكتاب بالحق أي بالصدق فيما اختلفوا فيه
وأنزل التوراة والإنجيل التوراة على
موسى ، والإنجيل على
عيسى ، كما أنزل الكتب على من كان قبله
وأنزل الفرقان أي الفصل بين الحق والباطل فيما اختلف فيه الأحزاب من أمر
عيسى وغيره .
إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام أي أن الله منتقم ممن كفر بآياته ، بعد علمه بها ، ومعرفته بما جاء منه فيها .
إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء أي قد علم ما يريدون وما يكيدون وما يضاهون بقولهم في
عيسى ، إذ جعلوه إلها وربا ، وعندهم من علمه غير ذلك ، غرة بالله ، وكفرا به .
هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء أي قد كان
عيسى ممن صور في الأرحام ، لا يدفعون ذلك ولا ينكرونه ، كما صور غيره من ولد آدم ، فكيف يكون إلها وقد كان بذلك المنزل . ثم قال تعالى إنزاها لنفسه ، وتوحيدا لها مما جعلوا معه :
لا إله إلا هو العزيز الحكيم العزيز في انتصاره ممن كفر به إذا شاء الحكيم في حجته وعذره إلى عباده .
هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب فيهن حجة الرب ، وعصمة العباد ، ودفع الخصوم والباطل ، ليس لهن تصريف ولا تحريف عما وضعن عليه
وأخر متشابهات لهن تصريف وتأويل ، ابتلى الله
[ ص: 577 ] فيهن العباد ، كما ابتلاهم في الحلال والحرام ، ألا يصرفن إلى الباطل ، ولا يحرفن عن الحق . يقول عز وجل :
فأما الذين في قلوبهم زيغ أي ميل عن الهدى
فيتبعون ما تشابه منه أي ما تصرف منه ، ليصدقوا به ما ابتدعوا وأحدثوا ، لتكون لهم حجة ، ولهم على ما قالوا شبهة
ابتغاء الفتنة أي اللبس
وابتغاء تأويله ذلك على ما ركبوا من الضلالة في قولهم : خلقنا وقضينا . يقول :
وما يعلم تأويله أي الذي به أرادوا ما أرادوا
إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا فكيف يختلف وهو قول واحد ، من رب واحد . ثم ردوا تأويل المتشابه على ما عرفوا من تأويل المحكمة التي لا تأويل لأحد فيها إلا تأويل واحد ، واتسق بقولهم الكتاب ، وصدق بعضه بعضا ، فنفذت به الحجة ، وظهر به العذر ، وزاح به الباطل ، ودمغ به الكفر . يقول الله تعالى في مثل هذا : وما يذكر في مثل هذا إلا أولو الألباب .
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا أي لا تمل قلوبنا ، وإن ملنا بأحداثنا .
وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب
ثم قال :
شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم بخلاف ما قالوا
قائما بالقسط أي بالعدل ( فيما يريد )
لا إله إلا هو العزيز الحكيم إن الدين عند الله الإسلام أي ما أنت عليه يا
محمد : التوحيد للرب ، والتصديق للرسل .
وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم أي الذي جاءك ، أي أن الله الواحد الذي ليس له شريك
بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب فإن حاجوك أي بما يأتون به من الباطل من قولهم : خلقنا وفعلنا وأمرنا ، فإنما هي شبهة باطل قد عرفوا ما فيها من الحق
فقل أسلمت وجهي لله أي وحده
ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين [ ص: 578 ] الذين لا كتاب لهم
أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد