[ ص: 89 ] باب ذكر
خلق الملائكة وصفاتهم عليهم السلام
قال الله تعالى :
شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم [ آل عمران : 18 ] . وقال :
لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون [ النساء : 166 ] . وقال تعالى :
وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين [ الأنبياء : 26 - 29 ] . وقال تعالى :
تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض ألا إن الله هو الغفور الرحيم [ الشورى : 5 ] . وقال تعالى :
الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم [ غافر : 7 ، 8 ] .
[ ص: 90 ] وقال تعالى :
فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون [ فصلت : 38 ] . وقال :
ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون [ الأنبياء : 19 20 ] . وقال تعالى :
وما منا إلا له مقام معلوم وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون [ الصافات : 164 - 166 ] . وقال تعالى :
وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا [ مريم : 64 ] . وقال تعالى :
وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون [ الانفطار : 10 - 12 ] . وقال تعالى :
وما يعلم جنود ربك إلا هو [ المدثر : 31 ] . وقال تعالى :
والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار [ الرعد : 23 - 24 ] . وقال تعالى :
الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير [ فاطر : 1 ] . وقال تعالى :
ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا [ الفرقان : 25 - 26 ] .
[ ص: 91 ] وقال تعالى :
وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا [ الفرقان : 21 22 ] . وقال تعالى :
من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين [ البقرة : 98 ] . وقال تعالى :
يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون [ التحريم : 6 ] . والآيات في ذكر الملائكة كثيرة جدا يصفهم تعالى بالقوة في العبادة وفي الخلق ، وحسن المنظر ، وعظمة الأشكال ، وقوة الشكل في الصور المتعددة كما قال تعالى :
ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات [ هود : 77 - 78 ] . الآيات . فذكرنا في التفسير ما ذكره غير واحد من العلماء من أن الملائكة تبدو لهم في صورة شباب حسان امتحانا واختبارا حتى قامت على قوم
لوط الحجة ، وأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر . وكذلك كان
جبريل يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صفات متعددة ; فتارة يأتي في صورة
nindex.php?page=showalam&ids=202دحية بن خليفة الكلبي ، وتارة في صورة أعرابي ،
[ ص: 92 ] وتارة في صورته التي خلق عليها له ستمائة جناح ما بين كل جناحين كما بين المشرق والمغرب ، كما رآه على هذه الصفة مرتين ; مرة منهبطا من السماء إلى الأرض ، وتارة عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى ، وهو قوله تعالى :
علمه شديد القوى ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى ثم دنا فتدلى [ النجم : 5 - 8 ] . أي
جبريل كما ذكرناه عن غير واحد من الصحابة منهم ;
ابن مسعود ،
nindex.php?page=showalam&ids=3وأبو هريرة ،
وأبو ذر ،
nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة .
فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى . أي إلى
عبد الله محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم قال :
ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى [ النجم : 13 - 14 ] . وكل ذلك المراد به
جبريل .
وقد ذكرنا في أحاديث الإسراء في سورة سبحان أن سدرة المنتهى في السماء السابعة ، وفي رواية : في السادسة أي : أصلها ، وفروعها في السابعة ،
إذ يغشى السدرة ما يغشى . قيل : غشيها نور الرب جل جلاله . وقيل : غشيها فراش من ذهب . وقيل : غشيها ألوان متعددة كثيرة غير منحصرة . وقيل : غشيها الملائكة مثل الغربان . وقيل : غشيها من الله أمر ، فلا يستطيع أحد أن ينعتها ; أي من حسنها وبهائها . ولا منافاة بين هذه الأقوال إذ الجميع ممكن حصوله في حال واحدة . وذكرنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509514ثم رفعت لي سدرة المنتهى ، فإذا نبقها كالقلال . وفي رواية :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509515كقلال هجر ، وإذا ورقها كآذان [ ص: 93 ] الفيلة ، وإذا يخرج من أصلها نهران باطنان ، ونهران ظاهران ; فأما الباطنان ففي الجنة ، وأما الظاهران فالنيل والفرات . وتقدم الكلام على هذا في ذكر خلق الأرض ، وما فيها من البحار والأنهار . وفيه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509516ثم رفع لي البيت المعمور ، وإذا هو يدخله في كل يوم سبعون ألف ملك ، ثم لا يعودون إليه آخر ما عليهم . وذكر أنه وجد
إبراهيم الخليل عليه السلام مستندا ظهره إلى البيت المعمور . وذكرنا وجه المناسبة في هذا ; أن البيت المعمور في السماء السابعة بمنزلة الكعبة في الأرض . وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري ،
وشعبة ،
وأبو الأحوص ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16052سماك بن حرب ، عن
خالد بن عرعرة ; أن
ابن الكواء سأل
علي بن أبي طالب ، عن البيت المعمور فقال : هو مسجد في السماء يقال له الضراح ، وهو بحيال الكعبة من فوقها ، حرمته في السماء كحرمة البيت في الأرض ، يصلي فيه كل يوم سبعون ألفا من الملائكة لا يعودون إليه أبدا . وهكذا روى
nindex.php?page=showalam&ids=49علي بن ربيعة ،
nindex.php?page=showalam&ids=11871وأبو الطفيل ، عن
علي مثله . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني : أنبأنا
الحسن بن علويه القطان ، حدثنا
إسماعيل بن عيسى العطار ، حدثنا
إسحاق بن بشر أبو حذيفة ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
صفوان بن سليم ، عن
كريب ، عن
ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509517البيت المعمور في السماء يقال له الضراح ، وهو على مثل البيت الحرام بحياله ، لو سقط لسقط عليه ، يدخله كل يوم سبعون ألف [ ص: 94 ] ملك ، ثم لا يرونه قط ، وإن له في السماء حرمة على قدر حرمة مكة . يعني في الأرض . وهكذا قال
العوفي ، عن
ابن عباس ،
ومجاهد ،
وعكرمة ،
nindex.php?page=showalam&ids=14354والربيع بن أنس ،
nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي ، وغير واحد . وقال
قتادة : ذكر لنا
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يوما لأصحابه هل تدرون ما البيت المعمور ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم قال : فإنه مسجد في السماء بحيال الكعبة ، لو خر لخر عليها ، يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك ، إذا خرجوا منه لم يعودوا آخر ما عليهم . وزعم
الضحاك أنه تعمره طائفة من الملائكة يقال لهم الحن من قبيلة إبليس لعنه الله . كان يقول سدنته وخدامه منهم ، والله أعلم .
وقال آخرون : في كل سماء بيت يعمره ملائكته بالعبادة فيه ، ويفدون إليه بالنوبة والبدل ، كما يعمر أهل الأرض البيت العتيق بالحج في كل عام ، والاعتمار في كل وقت ، والطواف والصلاة في كل آن .
قال
سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي في أوائل كتابه المغازي : حدثنا
أبو عبيد في حديث
مجاهد : أن الحرم حرام مناه يعني قدره من السماوات السبع والأرضين السبع ، وأنه رابع أربعة عشر بيتا ; في كل سماء بيت ، وفي كل أرض بيت لو سقطت سقط بعضها على بعض ، ثم روى عن مجاهد قال : مناه ; أي مقابله ، وهو حرف مقصور ، ثم قال : حدثنا
أبو معاوية ، حدثنا
الأعمش ، عن
أبي سليمان مؤذن
الحجاج سمعت
عبد الله بن عمرو يقول : إن الحرم محرم في السماوات السبع مقداره
[ ص: 95 ] من الأرض ، وإن
بيت المقدس مقدس في السماوات السبع مقداره من الأرض . كما قال بعض الشعراء :
إن الذي سمك السماء بنى لنا بيتا دعائمه أشد وأطول
واسم البيت الذي في السماء الدنيا بيت العزة ، واسم الملك الذي هو مقدم الملائكة فيها إسماعيل ، فعلى هذا يكون السبعون ألفا من الملائكة الذين يدخلون في كل يوم إلى البيت المعمور ، ثم لا يعودون إليه آخر ما عليهم : أي لا تحصل لهم نوبة فيه إلى آخر الدهر ; يكونون من سكان السماء السابعة وحدها ، ولهذا قال تعالى :
وما يعلم جنود ربك إلا هو [ المدثر : 31 ] .
وقال الإمام
أحمد : حدثنا
أسود بن عامر ، حدثنا
إسرائيل ، عن
إبراهيم بن مهاجر ، عن
مجاهد ، عن
مورق ، عن
أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509519إني أرى ما لا ترون ، وأسمع ما لا تسمعون أطت السماء ، وحق لها أن تئط ; ما فيها موضع أربع أصابع إلا عليه ملك ساجد ، لو علمتم ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ، ولما تلذذتم بالنساء على الفرشات ، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله عز وجل . فقال
أبو ذر : والله لوددت أني شجرة تعضد . رواه
الترمذي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه من حديث
إسرائيل فقال
الترمذي : حسن غريب ، ويروى عن
أبي ذر موقوفا .
[ ص: 96 ] وقال الحافظ
nindex.php?page=showalam&ids=14687أبو القاسم الطبراني : حدثنا
حسين بن عرفة المصري ، حدثنا
عروة بن مروان الرقي ، حدثنا
عبيد الله بن عمرو ، عن
عبد الكريم بن مالك ، عن
عطاء بن أبي رباح ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509520ما في السماوات السبع موضع قدم ولا شبر ولا كف إلا وفيه ملك قائم أو ملك ساجد أو ملك راكع فإذا كان يوم القيامة قالوا جميعا : ما عبدناك حق عبادتك إلا أنا لا نشرك بك شيئا . فدل هذان الحديثان على أنه ما من موضع في السماوات السبع إلا وهو مشغول بالملائكة ، وهم في صنوف من العبادة ; منهم من هو قائم أبدا ، ومنهم من هو راكع أبدا ، ومنهم من هو ساجد أبدا ، ومنهم من هو في صنوف أخر الله أعلم بها ، وهم دائمون في عبادتهم ، وتسبيحهم ، وأذكارهم ، وأعمالهم التي أمرهم الله بها ، ولهم منازل عند ربهم كما قال تعالى :
وما منا إلا له مقام معلوم وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون [ الصافات : 164 - 166 ] . وقال صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509521ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها قالوا : وكيف يصفون عند ربهم ؟ قال : يتمون الصفوف الأول ، ويتراصون في الصف .
[ ص: 97 ] وقال
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509522فضلنا على الناس بثلاث ; جعلت لنا الأرض مسجدا ، وتربتها لنا طهورا ، وجعلت صفوفنا كصفوف الملائكة .
وكذلك يأتون يوم القيامة بين يدي الرب جل جلاله صفوفا . كما قال تعالى :
وجاء ربك والملك صفا صفا [ الفجر : 22 ] . ويقفون صفوفا بين يدي ربهم عز وجل يوم القيامة . كما قال تعالى :
يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا [ النبأ : 38 ] . والمراد بالروح هاهنا بنو آدم . قاله
ابن عباس ،
والحسن ،
وقتادة . وقيل : ضرب من الملائكة يشبهون بني آدم في الشكل . قاله
ابن عباس ،
ومجاهد ،
nindex.php?page=showalam&ids=12045وأبو صالح ،
nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش . وقيل :
جبريل . قاله
الشعبي ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ،
والضحاك . وقيل : ملك يقال له : الروح بقدر جميع المخلوقات . قال
علي بن أبي طلحة : عن
ابن عباس قوله :
يوم يقوم الروح . قال : هو ملك من أعظم الملائكة خلقا . وقال
ابن جرير : حدثني
محمد بن خلف العسقلاني ، حدثنا
رواد بن الجراح ، عن
أبي حمزة ، عن
الشعبي ، عن
علقمة ، عن
ابن مسعود قال : الروح في السماء الرابعة هو أعظم من السماوات والجبال ، ومن الملائكة يسبح كل يوم اثني عشر ألف تسبيحة يخلق الله من كل تسبيحة
[ ص: 98 ] ملكا من الملائكة يجيء يوم القيامة صفا وحده . وهذا غريب جدا .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني : حدثنا
محمد بن عبد الله بن عبد الحكيم المصري ، حدثنا
وهب الله بن رزق أبو هريرة ، حدثنا
بشر بن بكر ، حدثنا
الأوزاعي حدثني
عطاء ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509524إن لله ملكا لو قيل له : التقم السماوات والأرضين بلقمة واحدة لفعل ، تسبيحه : سبحانك حيث كنت . وهذا أيضا حديث غريب جدا ، وقد يكون موقوفا . وذكرنا في صفة حملة العرش ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509525أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش إن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام . رواه
أبو داود ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ، ولفظه "
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509526مخفق الطير سبعمائة عام . "
وقد ورد في
صفة جبريل عليه السلام أمر عظيم : قال الله تعالى :
علمه شديد القوى [ النجم : 5 ] . قالوا : كان من شدة قوته أنه رفع
مدائن قوم
لوط ، وكن سبعا بمن فيها من الأمم ، وكانوا قريبا من أربعمائة
[ ص: 99 ] ألف ، وما معهم من الدواب والحيوانات ، وما لتلك المدن من الأراضي والمعتملات والعمارات وغير ذلك ، رفع ذلك كله على طرف جناحه حتى بلغ بهن عنان السماء ، حتى سمعت الملائكة نباح كلابهم وصياح ديكتهم ، ثم قلبها فجعل عاليها سافلها . فهذا هو شديد القوى . وقوله :
ذو مرة . أي خلق حسن وبهاء وسناء ، كما قال في الآية الأخرى :
إنه لقول رسول كريم [ التكوير : 19 ] . أي :
جبريل رسول من الله " كريم " . أي : حسن المنظر " ذي قوة " . أي : له قوة وبأس شديد
عند ذي العرش مكين . أي : له مكانة ومنزلة عالية رفيعة عند الله ذي العرش المجيد . " مطاع ثم " . أي : مطاع في الملأ الأعلى " أمين " . أي : ذي أمانة عظيمة ، ولهذا كان هو السفير بين الله وبين أنبيائه عليهم السلام الذي ينزل عليهم بالوحي فيه الأخبار الصادقة ، والشرائع العادلة . وقد كان يأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وينزل عليه في صفات متعددة كما قدمنا . وقد رآه على صفته التي خلقه الله عليها مرتين ، له ستمائة جناح كما روى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، عن
طلق بن غنام ، عن
زائدة ، عن
الشيباني قال : سألت
زرا ، عن قوله :
فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى [ النجم : 9 10 ] . قال : حدثنا
عبد الله يعني
ابن مسعود :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509527أن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى جبريل له ستمائة جناح .
[ ص: 100 ] وقال الإمام
أحمد : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17294يحيى بن آدم ، حدثنا
شريك ، عن
جامع بن أبي راشد ، عن
أبي وائل ، عن
عبد الله قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509528رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته ، وله ستمائة جناح ; كل جناح منها قد سد الأفق ، يسقط من جناحه من التهاويل من الدر والياقوت ما الله به عليم . وقال
أحمد أيضا : حدثنا
حسن بن موسى ، حدثنا
حماد بن سلمة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم بن بهدلة ، عن
زر بن حبيش ، عن
ابن مسعود في هذه الآية :
ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى [ النجم 13 - 14 ] . قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509529رأيت جبريل وله ستمائة جناح ينتثر من ريشه التهاويل ; الدر والياقوت . وقال
أحمد : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15945زيد بن الحباب ، حدثنا
الحسين ، حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم بن بهدلة سمعت
شقيق بن سلمة يقول : سمعت
ابن مسعود يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509530رأيت جبريل على سدرة المنتهى وله ستمائة جناح . فسألت
عاصما عن الأجنحة فأبى أن يخبرني . قال : فأخبرني بعض أصحابه أن الجناح ما بين المشرق والمغرب . وهذه أسانيد جيدة قوية . انفرد بها
أحمد .
وقال
أحمد : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15945زيد بن الحباب ، حدثني
حسين ، حدثني
[ ص: 101 ] حصين ، حدثني
شقيق سمعت
ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509531أتاني جبريل في خضر تعلق به الدر . إسناده صحيح . وقال
ابن جرير : حدثنا
ابن بزيع البغدادي قال : حدثنا
إسحاق بن منصور قال : حدثنا
إسرائيل ، عن
أبي إسحاق ، عن
عبد الرحمن بن يزيد ، عن
عبد الله ما كذب الفؤاد ما رأى [ النجم : 11 ] . قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509532رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه حلتا رفرف قد ملأ ما بين السماء والأرض . إسناد جيد قوي .
وفي الصحيحين من حديث
عامر الشعبي ، عن
مسروق قال : كنت عند
عائشة فقلت : أليس الله يقول :
ولقد رآه بالأفق المبين [ التكوير : 23 ] .
ولقد رآه نزلة أخرى [ النجم : 13 ] . فقالت : أنا أول هذه الأمة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها فقال : إنما ذاك
جبريل لم يره في صورته التي خلق عليها إلا مرتين ، رآه منهبطا من السماء إلى الأرض سادا عظم خلقه ما بين السماء والأرض .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : حدثنا
أبو نعيم ، حدثنا
عمر بن ذر ، ( ح ) وحدثني
يحيى بن جعفر ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
عمر بن ذر ، عن أبيه ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509533قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل : ألا تزورنا أكثر مما تزورنا قال : فنزلت : وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا [ مريم : 64 ] . الآية . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري من حديث
الزهري ، عن
عبيد الله بن عبد الله ، عن
ابن عباس قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509534كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس [ ص: 102 ] بالخير ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل ، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : حدثنا
قتيبة ، حدثنا
الليث ، عن
ابن شهاب أن
عمر بن عبد العزيز أخر العصر شيئا ، فقال له
عروة : أما إن
جبريل قد نزل فصلى أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال
عمر : أعلم ما تقول يا
عروة . قال : سمعت
بشير بن أبي مسعود يقول : سمعت
أبا مسعود يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509535نزل جبريل فأمني فصليت معه ، ثم صليت معه ، ثم صليت معه ، ثم صليت معه ، ثم صليت معه . يحسب بأصابعه خمس صلوات .
ومن
صفة إسرافيل عليه السلام ; وهو أحد حملة العرش ، وهو الذي ينفخ في الصور بأمر ربه نفخات ثلاثة ; أولاهن : نفخة الفزع ، والثانية : نفخة الصعق ، والثالثة : نفخة البعث . كما سيأتي بيانه في موضعه من كتابنا هذا بحول الله وقوته وحسن توفيقه . والصور : قرن ينفخ فيه ، كل دارة منه كما بين السماء والأرض ، وفيه موضع أرواح العباد حين يأمره الله بالنفخ للبعث ، فإذا نفخ تخرج الأرواح تتوهج ، فيقول الرب جل جلاله : وعزتي وجلالي لترجعن كل روح إلى البدن الذي كانت تعمره في الدنيا . فتدخل على الأجساد في قبورها ; فتدب فيها كما يدب السم في اللديغ فتحيا الأجساد ، وتنشق عنهم الأجداث ، فيخرجون منها سراعا إلى مقام المحشر . كما سيأتي تفصيله في موضعه .
ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509536كيف أنعم ، [ ص: 103 ] وصاحب القرن قد التقم القرن ، وحنى جبهته ، وانتظر أن يؤذن له ؟ قالوا : كيف نقول يا رسول الله ؟ قال : قولوا : حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا . رواه
أحمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي من حديث
عطية العوفي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري .
وقال الإمام
أحمد : حدثنا
أبو معاوية ، حدثنا
الأعمش ، عن
سعد الطائي ، عن
عطية العوفي ، عن
أبي سعيد قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509537ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب الصور فقال : عن يمينه جبريل ، وعن يساره ميكائيل عليهم السلام . وقال الحافظ
nindex.php?page=showalam&ids=14687أبو القاسم الطبراني : حدثنا
محمد بن عبد الله الحضرمي ، حدثنا
محمد بن عمر بن أبي ليلى حدثني أبي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى ، عن
الحكم ، عن
مقسم ، عن
ابن عباس قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509538بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومعه جبريل بناحية إذ انشق أفق السماء فأقبل إسرافيل يدنو من الأرض ويتمايل ، فإذا ملك قد مثل بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا محمد إن الله يأمرك أن تختار بين نبي عبد أو ملك نبي ؟ قال : فأشار جبريل إلي بيده أن تواضع . فعرفت أنه لي ناصح ، فقلت : عبد نبي . فعرج ذلك الملك إلى السماء فقلت : يا جبريل قد كنت أردت أن أسألك عن هذا [ ص: 104 ] فرأيت من حالك ما شغلني عن المسألة فمن هذا يا جبريل ؟ فقال : هذا إسرافيل عليه السلام خلقه الله يوم خلقه بين يديه صافا قدميه لا يرفع طرفه ، بينه وبين الرب سبعون نورا ، ما منها من نور يكاد يدنو منه إلا احترق بين يديه لوح ، فإذا أذن الله في شيء من السماء أو في الأرض ، ارتفع ذلك اللوح فضرب جبهته ، فينظر فإن كان من عملي أمرني به . وإن كان من عمل ميكائيل أمره به . وإن كان من عمل ملك الموت أمره به . قلت : يا جبريل وعلى أي شيء أنت ؟ قال : على الريح والجنود . قلت : وعلى أي شيء ميكائيل ؟ قال : على النبات والقطر ؟ قلت : وعلى أي شيء ملك الموت ؟ قال : على قبض الأنفس . وما ظننت أنه نزل إلا لقيام الساعة ، وما الذي رأيت مني إلا خوفا من قيام الساعة . هذا حديث غريب من هذا الوجه .
وفي صحيح
مسلم ، عن
عائشة :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509539أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يصلي يقول اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل ، فاطر السماوات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك ، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم .
وفي حديث الصور :
أن إسرافيل أول من يبعثه الله بعد الصعق لينفخ في الصور . وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=15426محمد بن الحسن النقاش : أن
إسرافيل أول من سجد من الملائكة ، فجوزي بولاية اللوح المحفوظ . حكاه
أبو القاسم السهيلي [ ص: 105 ] في كتابه " التعريف والإعلام بما أبهم في القرآن من الأعلام " . وقال تعالى :
من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال [ البقرة : 98 ] . عطفهما على الملائكة لشرفهما
فجبريل ملك عظيم قد تقدم ذكره ، وأما
ميكائيل فموكل بالقطر والنبات ، وهو ذو مكانة من ربه عز وجل ، ومن أشراف الملائكة المقربين .
وقد قال الإمام
أحمد : حدثنا
أبو اليمان ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11948ابن عياش ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16656عمارة بن غزية الأنصاري : أنه سمع
حميد بن عبيد مولى بني المعلى يقول : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=15603ثابتا البناني يحدث عن
أنس بن مالك ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509541عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لجبريل : ما لي لم أر ميكائيل ضاحكا قط . فقال : ما ضحك ميكائيل منذ خلقت النار . فهؤلاء الملائكة المصرح بذكرهم في القرآن ، وفي الصحاح هم المذكورون في الدعاء النبوي :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509542اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل .
فجبريل ينزل بالهدى على الرسل لتبليغ الأمم ،
وميكائيل موكل بالقطر والنبات اللذين يخلق منهما الأرزاق في هذه الدار ، وله أعوان يفعلون ما يأمرهم به بأمر ربه يصرفون الرياح والسحاب كما يشاء الرب جل جلاله . وقد روينا أنه ما من قطرة تنزل من السماء إلا ومعها ملك يقدرها في موضعها من الأرض ، وإسرافيل موكل بالنفخ في الصور للقيام من
[ ص: 106 ] القبور ، والحضور يوم البعث والنشور ليفوز الشكور ، ويجازى الكفور فذاك ذنبه مغفور وسعيه مشكور ، وهذا قد صار عمله كالهباء المنثور وهو يدعو بالويل والثبور .
فجبريل عليه السلام يحصل بما ينزل به الهدى ،
وميكائيل يحصل بما هو موكل به الرزق ،
وإسرافيل يحصل بما هو موكل به النصر والجزاء وأما ملك الموت فليس بمصرح باسمه في القرآن ، ولا في الأحاديث الصحاح ، وقد جاء تسميته في بعض الآثار
بعزرائيل ، والله أعلم .
وقد قال الله تعالى :
قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون [ السجدة : 11 ] . وله أعوان يستخرجون روح العبد من جثته حتى تبلغ الحلقوم فيتناولها ملك الموت بيده ، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها من يده فيلفوها في أكفان تليق بها . كما قد بسط عند قوله :
يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة [ إبراهيم : 27 ] . ثم يصعدون بها ، فإن كانت صالحة فتحت لها أبواب السماء ، وإلا غلقت دونها ، وألقي بها إلى الأرض . قال الله تعالى :
وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين [ الأنعام : 61 - 62 ] .
[ ص: 107 ] وعن
ابن عباس ،
ومجاهد ، وغير واحد أنهم قالوا : إن الأرض بين يدي ملك الموت مثل الطست يتناول منها حيث يشاء . وقد ذكرنا أن ملائكة الموت يأتون الإنسان على حسب عمله إن كان مؤمنا أتاه ملائكة بيض الوجوه بيض الثياب طيبة الأرواح ، وإن كان كافرا فبالضد من ذلك عياذا بالله العظيم من ذلك .
وقد قال
ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا
يحيى بن أبي يحيى المقري ، حدثنا
عمرو بن شمر قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=15639جعفر بن محمد قال : سمعت أبي يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509543نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملك الموت عند رأس رجل من الأنصار ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : يا ملك الموت ارفق بصاحبي فإنه مؤمن . فقال ملك الموت : يا محمد طب نفسا ، وقر عينا فإني بكل مؤمن رفيق ، واعلم أن ما في الأرض بيت مدر ، ولا شعر في بر ولا بحر إلا وأنا أتصفحهم في كل يوم خمس مرات ، حتى إني أعرف بصغيرهم وكبيرهم منهم بأنفسهم ، والله يا محمد لو أني أردت أن أقبض روح بعوضة ما قدرت على ذلك حتى يكون الله هو الآمر بقبضها . قال
nindex.php?page=showalam&ids=15639جعفر بن محمد وهو جعفر الصادق :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509544بلغني أنه يتصفحهم عند مواقيت الصلاة ، فإذا حضر عند الموت فإذا كان ممن يحافظ على الصلاة دنا منه الملك ، ودفع عنه [ ص: 108 ] الشيطان ، ولقنه الملك : لا إله إلا الله محمد رسول الله . في تلك الحال العظيمة . هذا حديث مرسل ، وفيه نظر . وذكرنا في حديث الصور من طريق
إسماعيل بن رافع المدني القاص ، عن
محمد بن زياد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب القرظي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . الحديث بطوله ، وفيه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509545ويأمر الله إسرافيل بنفخة الصعق ، فينفخ نفخة الصعق ; فيصعق أهل السماوات ، وأهل الأرض إلا من شاء الله ، فإذا هم قد خمدوا ، جاء ملك الموت إلى الجبار عز وجل ، فيقول : يا رب قد مات أهل السماوات والأرض إلا من شئت . فيقول الله وهو أعلم بمن بقي : فمن بقي ؟ فيقول : يا رب بقيت أنت الحي الذي لا يموت ، وبقيت حملة عرشك ، وبقي جبريل وميكائيل . فيقول : ليمت جبريل وميكائيل . فينطق الله العرش فيقول : يا رب يموت جبريل وميكائيل . فيقول : اسكت فإني كتبت الموت على كل من كان تحت عرشي . فيموتان ، ثم يأتي ملك الموت إلى الجبار عز وجل ، فيقول : يا رب قد مات جبريل وميكائيل فيقول الله وهو أعلم : بمن بقي فمن بقي ؟ فيقول : بقيت أنت الحي الذي لا يموت ، وبقيت حملة عرشك ، وبقيت أنا . فيقول الله : لتمت حملة عرشي . فيموتون ، ويأمر الله العرش فيقبض الصور من إسرافيل ، ثم يأتي ملك الموت فيقول : يا رب قد مات حملة عرشك . فيقول الله وهو أعلم بمن بقي فمن بقي ؟ فيقول : بقيت أنت الحي الذي لا يموت ، وبقيت أنا فيقول الله : أنت خلق من خلقي خلقتك لما رأيت فمت . فيموت ، فإذا لم يبق إلا الله الواحد القهار الأحد الصمد الذي لم يلد ، ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد كان آخرا كما كان أولا .
[ ص: 109 ] وذكر تمام الحديث بطوله . رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني nindex.php?page=showalam&ids=16935، وابن جرير ،
nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي . ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=12168الحافظ أبو موسى المديني في كتاب " الطوالات " وعنده زيادة غريبة ، وهي قوله : فيقول الله له : "
أنت خلق من خلقي خلقتك لما أردت فمت موتا لا تحيا بعده أبدا " .
ومن الملائكة المنصوص على أسمائهم في القرآن : هاروت ، وماروت ، في قول جماعة كثيرة من السلف . وقد ورد في قصتهما وما كان من أمرهما آثار كثيرة غالبها إسرائيليات . وروى الإمام
أحمد حديثا مرفوعا ، عن
ابن عمر ، وصححه
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في " تقاسيمه " ، وفي صحته عندي نظر ، والأشبه أنه موقوف على
عبد الله بن عمر ، ويكون مما تلقاه عن
كعب الأحبار كما سيأتي بيانه ، والله أعلم . وفيه : أنه تمثلت لهما الزهرة امرأة من أحسن البشر . وعن
علي ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر أيضا : أن الزهرة كانت امرأة ، وأنهما لما طلبا منها ما ذكر ، أبت إلا أن يعلماها الاسم الأعظم ، فعلماها فقالته : فارتفعت إلى السماء فصارت كوكبا . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم في " مستدركه " عن
ابن عباس قال : وفي ذلك الزمان امرأة حسنها في النساء كحسن الزهرة في سائر الكواكب . وهذا اللفظ أحسن ما ورد
[ ص: 110 ] في شأن الزهرة ، ثم قيل : كان أمرهما ، وقصتهما في زمان
إدريس . وقيل : في زمان
سليمان بن داود . كما حررنا ذلك في التفسير .
وبالجملة فهو خبر إسرائيلي مرجعه إلى
كعب الأحبار ، كما رواه
عبد الرزاق في تفسيره عن
الثوري ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17177موسى بن عقبة ، عن
سالم ، عن
ابن عمر ، عن
كعب الأحبار بالقصة . وهذا أصح إسنادا ، وأثبت رجالا ، والله أعلم .
، ثم قد قيل : إن المراد بقوله :
وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت [ البقرة : 102 ] . قبيلان من الجان . قاله
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم ، وهذا غريب وبعيد من اللفظ . ومن الناس من قرأ : " وما أنزل على الملكين " . بالكسر ، ويجعلهما علجين من أهل
فارس قاله
الضحاك ، ومن الناس من يقول : هما ملكان من السماء . ولكن سبق في قدر الله لهما ما ذكره من أمرهما إن صح به الخبر ، ويكون حكمهما كحكم إبليس إن قيل : إنه من الملائكة . لكن الصحيح أنه من الجن ، كما سيأتي تقريره .
ومن الملائكة المسمين في الحديث : منكر ونكير عليهما السلام ، وقد استفاض في الأحاديث ذكرهما في سؤال القبر . وقد أوردناها عند قوله تعالى :
يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء [ إبراهيم : 27 ] . وهما فتانا القبر ، موكلان بسؤال الميت في قبره ، عن ربه ، ودينه ، ونبيه ، ويمتحنان البر والفاجر ، وهما أزرقان أفرقان لهما أنياب وأشكال مزعجة وأصوات مفزعة . أجارنا الله من عذاب القبر ، وثبتنا بالقول الثابت آمين .
[ ص: 111 ] وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : حدثنا
عبد الله بن يوسف ، حدثنا
ابن وهب حدثني
يونس ، عن
ابن شهاب حدثني
عروة :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509547أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حدثته : أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد ؟ قال : لقد لقيت من قومك ، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة ، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال ، فلم يجبني إلى ما أردت ، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي ، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب ، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني ، فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال : إن الله قد سمع قول قومك لك ، وما ردوا به عليك ، وقد بعث لك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم . فناداني ملك الجبال فسلم علي ، ثم قال : يا محمد . فقال : ذلك فما شئت : إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا . ورواه
مسلم من حديث
ابن وهب به .