[ ص: 422 ] ثم دخلت سنة تسعين من الهجرة
فيها
غزا مسلمة بن عبد الملك nindex.php?page=showalam&ids=14747والعباس بن الوليد بلاد الروم ، ففتحا حصونا ، وقتلا خلقا من الروم ، وغنما وأسرا خلقا كثيرا . وفيها أسرت الروم
خالد بن كيسان صاحب البحر ، وذهبوا به إلى ملكهم ، فأهداه ملك الروم إلى
nindex.php?page=showalam&ids=15490الوليد بن عبد الملك .
وفيها عزل
الوليد أخاه
عبد الله بن عبد الملك عن إمرة
مصر ، وولى عليها
قرة بن شريك .
وفيها
قتل محمد بن القاسم الثقفي ملك السند داهر بن صصة ، وكان
محمد بن القاسم هذا على جيش من جهة
الحجاج ، وفيها
فتح nindex.php?page=showalam&ids=16819قتيبة بن مسلم مدينة بخارى ، وهزم جمع العدو من الترك بها ، وجرت بينهم فصول يطول ذكرها ، وقد تقصاها
ابن جرير ، وفيها طلب
طرخون ملك
الصغد بعد فتح
بخارى من
قتيبة أن يصالحه على مال يبذله في كل عام ، فأجابه
قتيبة إلى ذلك ، وأخذ منه رهنا عليه .
وفيها استنجد
وردان خذاه بالترك ، فأتوه من جميع النواحي وهو صاحب
بخارى بعد أخذ
قتيبة لها وخرج
وردان خذاه وحمل على المسلمين فحطموهم ، ثم عاد المسلمون عليهم فقتلوا منهم مقتلة عظيمة ، وصالح
قتيبة ملك
الصغد ، وفتح
بخارى وحصونها ، ورجع
قتيبة بالجند إلى بلاده فأذن له
الحجاج ، فلما سار إلى بلاده بلغه أن صاحب
الصغد قال لملوك الترك : إن العرب بمنزلة اللصوص ، فإن أعطوا شيئا ذهبوا ، وإن
قتيبة هكذا يقصد الملوك ، فإن
[ ص: 423 ] أعطوه شيئا أخذه ورجع عنهم ، وإن
قتيبة ليس بملك ، ولا يطلب ملكا . فبلغ
قتيبة قوله ، فرجع إليهم ، فكاتب
نيزك ملك الترك ملوك ما
وراء النهر; منهم ملك
الطالقان ، وكان قد صالح
قتيبة فنقض الصلح الذي كان بينه وبين
قتيبة ، واستجاش عليه بالملوك كلها ، فأتاه ملوك كثير كانوا قد عاهدوا
قتيبة على الصلح ، فنقضوا كلهم وصاروا يدا واحدة على
قتيبة ، واتعدوا إلى الربيع ، وتعاهدوا وتعاقدوا على أن يجتمعوا فيقاتلوا كلهم في فصل الربيع من السنة الآتية ، فقتل منهم
قتيبة في ذلك الحين مقتلة عظيمة جدا لم يسمع بمثلها ، وصلب منهم سماطين في مسافة أربعة فراسخ في نظام واحد ، وذلك مما كسر جموعهم كلهم .
وفي هذه السنة هرب
يزيد بن المهلب وأخواه
المفضل وعبد الملك من سجن
الحجاج ، فلحقوا
بسليمان بن عبد الملك ، فأمنهم من
الحجاج ، وذلك أن
الحجاج كان قد احتاط عليهم قبل ذلك ، وعاقبهم عقوبة عظيمة ، وأخذ منهم ستة آلاف ألف ، وكان أصبرهم على العقوبة
يزيد بن المهلب ، كان لا يسمع له صوت ، ولو فعلوا به ما فعلوا ، فكان ذلك يغيظ
الحجاج ، حتى قال قائل
nindex.php?page=showalam&ids=14078للحجاج : إن في ساقه أثر نشابة بقي نصلها فيه ، وإنه متى أصابها شيء لا يملك نفسه أن يصرخ ، فأمر
الحجاج أن ينال ذلك الموضع منه بعذاب ، فصاح ، فلما سمعت أخته
هند بنت المهلب وكانت تحت
الحجاج صوته بكت
[ ص: 424 ] وناحت عليه فطلقها
الحجاج ، ثم أودعهم السجن ، ثم خرج
الحجاج إلى بعض المحال لينفذ جيشا إلى
الأكراد ، واستصحبهم معه ، فخندق حولهم ، ووكل بهم الحرس ، فلما كان في بعض الليالي أمر
يزيد بن المهلب بطعام كثير فصنع للحرس ، فاشتغلوا به ، ثم تنكر في هيئة بعض الطباخين ، وجعل لحيته لحية بيضاء ، ثم خرج ، فرآه بعض الحرس فقال : ما رأيت مشية أشبه بمشية
يزيد بن المهلب من هذا . ثم اتبعه يتحققه ، فلما رأى بياض لحيته انصرف عنه ، ثم لحقه أخواه ، فركبوا السفن ، وساروا نحو
الشام ، فلما بلغ
الحجاج هربهم انزعج لذلك ، وذهب وهمه أنهم ساروا إلى
خراسان ، فكتب إلى
nindex.php?page=showalam&ids=16819قتيبة بن مسلم يحذره قدومهم ، ويأمره بالاستعداد لهم ، وأن يرصدهم في كل مكان ، ويكتب إلى أمراء الثغور والكور بتحصيلهم ، وكتب إلى أمير المؤمنين
nindex.php?page=showalam&ids=15490الوليد بن عبد الملك يخبره بهربهم ، وأنه لا يراهم هربوا إلا إلى
خراسان ، وخاف
الحجاج من
يزيد بن المهلب ، أن يصنع كما صنع
nindex.php?page=showalam&ids=12582عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث من الخروج عليه ، وجمع الناس له .
وأما
يزيد بن المهلب فإنه سلك على البطائح ، وجاءته خيول كان قد أعدها له أخوه
مروان بن المهلب لهذا اليوم ، فركبها وسلك به دليل من
بني كلب يقال له :
عبد الجبار بن يزيد . فأخذ بهم على السماوة . وجاء الخبر إلى
الحجاج بعد يومين أن
يزيد قد سلك نحو
الشام ، فكتب إلى
الوليد يعلمه بذلك ،
[ ص: 425 ] وسار
يزيد حتى نزل
الأردن ، على
وهيب بن عبد الرحمن الأزدي وكان كريما على
سليمان بن عبد الملك فسار
وهيب إلى
سليمان بن عبد الملك فقال له : إن
يزيد بن المهلب وأخويه في منزلي ، قد جاءوا مستعيذين بك من
الحجاج . قال : فاذهب فائتني بهم ، فهم آمنون ما دمت حيا . فجاءهم ، فذهب بهم حتى أدخلهم على
سليمان بن عبد الملك ، فأمنهم
سليمان ، وكتب إلى أخيه
الوليد : إن آل المهلب قد أمنتهم ، وإنما بقي
nindex.php?page=showalam&ids=14078للحجاج عندهم ثلاثة آلاف ألف ، وهي عندي . فكتب إليه : لا والله لا أؤمنه حتى تبعث به إلي . فكتب إليه : لا والله لا أبعثه حتى أجيء معه ، فأنشدك الله يا أمير المؤمنين أن تفضحني أو تخفرني في جواري . فكتب إليه : لا والله لا تجئ معه وابعث به إلي في وثاق . فقال
يزيد : ابعثني إليه ، فما أحب أن أوقع بينك وبينه عداوة وحربا ، فابعثني إليه ، وابعث معي ابنك ، واكتب إليه بألطف عبارة تقدر عليها . فبعثه وبعث معه ابنه أيوب ، وقال لابنه : إذا دخلت في الدهليز فادخل مع
يزيد في السلسلة ، وادخلا عليه كذلك .
فلما رأى
الوليد ابن أخيه في السلسلة ، قال : والله لقد بلغنا من
سليمان . ودفع
أيوب كتاب أبيه إلى عمه ، وقال : يا أمير المؤمنين ، نفسي فداؤك لا تخفر ذمة أبي ، وأنت أحق من منعها ، ولا تقطع منا رجاء من رجا السلامة في جوارنا لمكاننا منك ، ولا تذل من رجا العز في الانقطاع إلينا لعزنا بك .
ثم قرأ
الوليد كتاب
سليمان بن عبد الملك فإذا فيه :
أما بعد يا أمير المؤمنين ، فوالله إن كنت لأظن لو استجار بي عدو قد نابذك وجاهدك فأنزلته وأجرته ، أنك لا تذل
[ ص: 426 ] جاري ، ولا تخفر جواري ، بل لم أجر إلا سامعا مطيعا ، حسن البلاء والأثر في الإسلام ، هو وأبوه وأهل بيته ، وقد بعثت به إليك ، فإن كنت إنما تعد قطيعتي والإخفار بذمتي والإبلاغ في مساءتي ، فقد قدرت إن أنت فعلت ، وأنا أعيذك بالله من احتراد قطيعتي ، وانتهاك حرمتي ، وترك بري وصلتي ، فوالله يا أمير المؤمنين ما تدري ما بقائي وبقاؤك ، ولا متى يفرق الموت بيني وبينك ، فإن استطاع أمير المؤمنين أدام الله سروره أن لا يأتي أجل الوفاة علينا إلا وهو لي واصل ، ولحقي مؤد ، وعن مساءتي نازع ، فليفعل ، ووالله يا أمير المؤمنين ما أصبحت بشيء من أمر الدنيا بعد تقوى الله بأسر مني برضاك وسرورك ، وإن رضاك وسرورك مما ألتمس به رضوان الله عز وجل ، وإن كنت يا أمير المؤمنين يوما من الدهر تريد مسرتي وصلتي وكرامتي وإعظام حقي فتجاوز لي عن
يزيد ، وكل ما طلبته به فهو علي .
فلما قرأ
الوليد كتابه قال : لقد أشفقنا على
سليمان . ثم دعا ابن أخيه ، فأدناه منه ، وتكلم
يزيد بن المهلب فحمد الله ، وأثنى عليه ، وصلى على رسوله ، ثم قال : يا أمير المؤمنين إن بلاءكم عندنا أحسن البلاء ، فمن ينسى ذلك فلسنا ناسيه ، ومن يكفره فلسنا بكافريه ، وقد كان من بلائنا أهل البيت في طاعتكم
[ ص: 427 ] والطعن في أعين أعدائكم في المواطن العظام في المشارق والمغارب ما إن المنة علينا فيه عظيمة . فقال له : اجلس . فجلس ، فأمنه ، وكف عنه ، ورده إلى
سليمان ، فكان عنده يعلمه الهيئة ، ويصف له ألوان الأطعمة الطيبة ، وكان حظيا عنده لا يهدى إليه بهدية إلا بعث إليه بنصفها ، وتقرب
يزيد بن المهلب إلى
سليمان بأنواع الهدايا والتحف والتقادم .
وكتب
الوليد إلى
الحجاج : إني لم أصل إلى
يزيد بن المهلب ، وأهل بيته مع أخي
سليمان ، فاكفف عنهم ، واله عن الكتاب إلي فيهم . فكف
الحجاج عن آل المهلب ، وترك ما كان يطالبهم به من الأموال ، حتى ترك
لأبي عيينة بن المهلب ألف ألف درهم ، ولم يزل
يزيد بن المهلب عند
سليمان بن عبد الملك حتى هلك
الحجاج في سنة خمس وتسعين كما سيأتي بيانه ثم ولي
يزيد بلاد
العراق بعد
الحجاج ، كما أخبره
الراهب .