فصل (
إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها )
وهو ذكرنا في " دلائل النبوة " الحديث الذي رواه
أبو داود في سننه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
nindex.php?page=hadith&LINKID=3512663إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها . فقال جماعة من أهل العلم منهم
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل فيما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي وغيره : إن
عمر بن عبد العزيز كان على رأس المائة الأولى . وقال آخرون : هو من جملة من جدد الله به أمر الدين على رأس المائة الأولى ، وإن كان هو أولى من دخل في ذلك وأحق ; لإمامته ، وعموم ولايته ، واجتهاده وقيامه في تنفيذ الحق ، فقد كانت سيرته شبيهة بسيرة
عمر بن الخطاب وكان كثيرا ما يتشبه به . وقد جمع الشيخ
nindex.php?page=showalam&ids=11890أبو الفرج ابن الجوزي سيرة العمرين ;
عمر بن الخطاب nindex.php?page=showalam&ids=16673وعمر بن عبد العزيز ، وقد أفردنا سيرة
عمر بن الخطاب في مجلد على حدة ، ومسنده في مجلد ضخم ، وأما سيرة
عمر بن عبد العزيز [ ص: 710 ] فقد ذكرنا منها طرفا صالحا هنا ، يستدل به على ما لم نذكره .
وقد كان
عمر رحمه الله يعطي من انقطع إلى المسجد الجامع ، من بلده وغيرها ، للفقه ونشر العلم وتلاوة القرآن ، في كل عام من بيت المال مائة دينار ، وكان يكتب إلى عماله أن يأخذوا الناس بالسنة ، ويقول : إن لم تصلحهم السنة فلا أصلحهم الله . وكتب إلى سائر البلاد أن لا يركب ذمي من
اليهود والنصارى وغيرهم على سرج ، ولا يلبس قباء ولا طيلسانا ولا السراويل ولا يمشين أحد منهم إلا بزنار من جلد ، وهو مقرون الناصية ، ومن وجد منهم في منزله سلاح أخذ منه ، وكتب أيضا أن لا يستعمل على الأعمال إلا أهل القرآن ، فإن لم يكن عندهم خير فغيرهم أولى أن لا يكون عنده خير . وكان يكتب إلى عماله : اجتنبوا الأشغال عند حضور الصلوات ، فإن من أضاعها فهو لما سواها من شرائع الإسلام أشد تضييعا . وقد كان يكتب الموعظة إلى العامل من عماله فينخلع بها قلبه ، وربما عزل بعضهم نفسه عن العمالة من شدة ما تقع موعظته منه ، وذلك أن الموعظة إذا خرجت من قلب الواعظ دخلت قلب الموعوظ . وقد صرح كثير من الأئمة بأن كل من استعمله
عمر بن عبد العزيز ثقة ، وقد كتب إليه
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري بمواعظ حسان ولو تقصينا ذلك لطال هذا الفصل ، ولكن قد ذكرنا ما فيه إشارة إلى ذلك . وكتب إلى بعض
[ ص: 711 ] عماله : أما بعد ، فإني أذكرك ليلة تمخض بالساعة فصباحها القيامة ، فيا لها من ليلة ويا له من صباح ، وكان يوما على الكافرين عسيرا . وكتب إلى آخر : أذكرك طول سهر أهل النار في النار مع خلود الأبد ، وإياك أن ينصرف بك من عند الله فيكون آخر العهد بك ، وانقطاع الرجاء منك . قالوا : فخلع هذا العامل نفسه من العمالة ، وقدم على
عمر ، فقال له : ما لك ؟ فقال : خلعت قلبي بكتابك يا أمير المؤمنين ، والله لا أعود إلى ولاية أبدا .