ذكر وقعة جرت بين الترك والمسلمين
وذلك أن خاقان الملك الأعظم ملك الترك ، بعث جيشا إلى
الصغد لقتال المسلمين ، عليهم رجل منهم يقال له :
كورصول . فأقبل حتى نزل على قصر الباهلي فحصره وفيه خلق من المسلمين ، فصالحهم نائب
سمرقند وهو
عثمان بن عبد الله بن مطرف على أربعين ألفا ، ودفع إليهم سبعة عشر دهقانا رهائن عندهم ، ثم ندب
عثمان الناس فانتدب رجل يقال له
المسيب بن بشر الرياحي في أربعة آلاف ، فساروا نحو الترك ، فلما كان ببعض الطريق خطب الناس ، فحثهم على القتال ، وأخبرهم أنه ذاهب إلى الأعداء لطلب الشهادة ، فرجع عنه أكثر من ألف ، ثم لم يزل في كل منزل يخطبهم ، ويرجع عنه بعضهم ، حتى
[ ص: 730 ] بقي في سبعمائة مقاتل ، فسار بهم حتى غالق جيش
الأتراك ، وهم محاصرو ذلك القصر ، وقد عزم المسلمون الذين هم فيه على قتل نسائهم وذبح أولادهم أمامهم ، ثم ينزلون فيقاتلون حتى يقتلوا عن آخرهم ، فبعث إليهم
المسيب يثبتهم يومهم ذلك ، فثبتوا ومكث
المسيب حتى إذا كان - وقت السحر كبر وكبر أصحابه ، وقد جعلوا شعارهم يا محمد ، ثم حملوا على
الترك حملة صادقة ، فقتلوا منهم خلقا كثيرا ، وعقروا دواب كثيرة ، ونهض إليهم
الترك ، فقاتلوهم قتالا شديدا ، حتى فر أكثر المسلمين ، وضربت دابة
المسيب في عجزها فترجل عنها ، وترجل معه الشجعان ، فقاتلوا ، وهم كذلك قتالا عظيما ، والتفت الجماعة
بالمسيب ، وصبروا حتى فتح الله عليهم ، وفر المشركون بين أيديهم هاربين لا يلوون على شيء ، وقد كان
الأتراك في غاية الكثرة ، فنادى منادي
المسيب : أن لا تتبعوا أحدا منهم ، وعليكم بالقصر وأهله . فاحتملوهم وحازوا ما في معسكر أولئك
الأتراك من الأموال والأشياء النفيسة ، وانصرفوا راجعين سالمين بمن معهم من المسلمين الذين كانوا محصورين ، وجاءت
الترك من الغد إلى القصر فلم يجدوا به داعيا ولا مجيبا ، فقالوا فيما بينهم : هؤلاء الذين لقونا بالأمس لم يكونوا إنسا ، إنما كانوا جنا . ثم غزا
سعيد الملقب خذينة أمير
خراسان بلاد
الصغد وذلك لأنهم أعانوا الكفار على المسلمين في هذه
[ ص: 731 ] الغزوة التي ذكرناها ، فسار إليهم فقاتلهم قتالا شديدا حتى نصره الله عليهم ، وولوا مدبرين ، وأخذ منهم أموالا جزيلة ، وقبض ما وجد لهم من الأموال والحواصل .
وفيها عزل أمير المؤمنين
nindex.php?page=showalam&ids=17369يزيد بن عبد الملك أخاه
مسلمة عن إمرة
العراق وخراسان ، وذلك لأنه كان يصرف أموال الغنيمة فيما يريد ، ولم يصرف إلى أخيه
يزيد شيئا في هذه المدة ، وطمع في أخيه فعزله عنها ، وولى عليها بدله
عمر بن هبيرة على
العراق وخراسان .
وحج بالناس فيها أمير
المدينة عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس .