وهذه
ترجمة أبي العباس السفاح وذكر وفاته
هو
عبد الله السفاح - ويقال له : المرتضى . و : القائم أيضا - ابن محمد الإمام بن علي السجاد بن عبد الله الحبر بن العباس ذي الرأي بن عبد المطلب شيبة الحمد بن هاشم عمرو بن عبد مناف بن قصي ، أبو العباس القرشي الهاشمي [ ص: 294 ] أمير المؤمنين وأمه
ريطة - ويقال : رائطة - بنت عبيد الله بن عبد الله بن عبد المدان بن الديان الحارثي ، كان مولد
السفاح بالحميمة من أرض الشراة من أرض
البلقاء بالشام ونشأ بها حتى طلب أخوه
إبراهيم ، فقتله
مروان الحمار بحران ، فانتقلوا إلى
الكوفة ، وبويع له بالخلافة بعد مقتل أخيه في حياة
مروان يوم الجمعة الثاني عشر من ربيع الأول ، ويقال : في جمادى سنة ثنتين وثلاثين ومائة ، كما تقدم .
وتوفي بالجدري
بالأنبار يوم الأحد الحادي عشر - وقيل : الثالث عشر - من ذي الحجة سنة ست وثلاثين ومائة . وكان عمره ثلاثا - وقيل : ثنتين . وقيل : إحدى - وثلاثين سنة . وقيل : ثمانيا وعشرين سنة . قاله غير واحد . وكانت خلافته أربع سنين وتسعة أشهر .
وكان أبيض جميلا طويلا ، أقنى الأنف ، جعد الشعر ، حسن اللحية ، حسن الوجه ، فصيح الكلام ، حسن الرأي ، جيد البديهة ، دخل عليه في أول ولايته
عبد الله بن حسن بن حسن بن علي ، ومعه مصحف وعند
السفاح وجوه
بني هاشم من أهل بيته وغيرهم ، فقال له : يا أمير المؤمنين ، أعطنا حقنا الذي
[ ص: 295 ] جعله الله لنا في هذا المصحف . قال : فأشفق الحاضرون أن يعجل
السفاح بشيء أو يعيا بجوابه ، فيبقى ذلك سبة عليه وعليهم ، فأقبل
السفاح عليه غير مغضب ولا منزعج ، فقال : إن جدك
عليا وكان خيرا مني وأعدل ، ولي هذا الأمر ، فأعطى جديك
الحسن ،
والحسين - وكانا خيرا منك - شيئا قد أعطيتكه وزدتك عليه ، فما كان هذا جزائي منك . قال : فما رد عليه
عبد الله بن حسن جوابا ، وتعجب الناس من سرعة جوابه وحدته وجودته على البديهة .
وقد ورد في حديث ذكره - رحمه الله - فقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد في " مسنده " : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16544عثمان بن أبي شيبة ، ثنا
جرير ، عن
الأعمش ، عن
عطية العوفي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يخرج عند انقطاع من الزمان ، وظهور من الفتن رجل يقال له : السفاح . فيكون إعطاؤه المال حثيا . وكذا رواه
زائدة ،
وأبو معاوية عن
الأعمش به . وهذا الحديث في إسناده
عطية العوفي وقد تكلموا فيه . وفي كون المراد بهذا المذكور
السفاح نظر . والله أعلم . وقد ذكرنا ، فيما تقدم عند زوال دولة
بني أمية أخبارا وآثارا في مثل هذا المعنى .
وقال
الزبير بن بكار : حدثني
محمد بن مسلمة بن محمد بن هشام [ ص: 296 ] ، أخبرني
محمد بن عبد الرحمن المخزومي ، حدثني
داود بن عيسى عن أبيه ، عن
محمد بن علي بن عبد الله بن عباس - وهو والد السفاح - قال : دخلت على
عمر بن عبد العزيز وعنده رجل من
النصارى ، فقال له
عمر بن عبد العزيز : من تجدون الخليفة بعد
سليمان ؟ قال له النصراني : أنت . قال : فأقبل
عمر بن عبد العزيز علي ، فقال : وهي في ثيابك يا
أبا عبد الله . قال
محمد بن علي : فلما كان بعد ذلك جعلت ذلك النصراني في بالي ، فرأيته يوما ، فأمرت غلامي أن يحبسه علي ، وذهبت به إلى منزلي ، فسألته عما يكون بعد في خلفاء
بني أمية فذكرهم واحدا واحدا ، وتجاوز عن
مروان بن محمد ، قلت : ثم من ؟ قال : ثم ابنك ابن الحارثية . قال : وكان إذ ذاك حملا .
ووفد عليه
أهل المدينة فبادروا إلى تقبيل يده ، وترك ذلك
عمران بن إبراهيم بن عبد الله بن مطيع العدوي وإنما حياه بالخلافة ، وهنأه بها فقط . وقال : والله يا أمير المؤمنين ، لو كانت تزيدك رفعة وتزيدني وسيلة إليك ، ما سبقني إليها أحد من هؤلاء ، وإني لغني عما لا أجر فيه . ثم جلس . قال : فوالله ما نقصه ذلك من حظ أصحابه .
وذكر
القاضي المعافى بن زكريا أن
السفاح بعث رجلا ينادي بهذين البيتين في عسكر
مروان بن محمد ليلا ، ثم رجع ، وهما هذان :
[ ص: 297 ] يا آل مروان إن الله مهلككم ومبدل أمنكم خوفا وتشريدا لا عمر الله من أنسالكم أحدا
وبثكم في بلاد الخوف تطريدا
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=14231الخطيب البغدادي أن
السفاح نظر يوما في المرآة - وكان من أجمل الناس وجها - فقال : اللهم لا أقول كما قال
سليمان بن عبد الملك : أنا الخليفة الشاب . ولكني أقول : اللهم عمرني طويلا في طاعتك ممتعا بالعافية . فما استتم كلامه حتى سمع غلاما يقول لآخر : الأجل بيني وبينك شهران وخمسة أيام . فتطير من كلامه ، وقال : حسبي الله ، لا قوة إلا بالله ، عليه توكلي ، وبه أستعين . فمات بعد شهرين وخمسة أيام .
وذكر
محمد بن عبد الله بن مالك الخزاعي أن
الرشيد أمر ابنه أن يسمع من
إسحاق بن عيسى بن علي ما يرويه عن أبيه في قصة
السفاح ، فأخبره عن أبيه
عيسى أنه دخل على
السفاح يوم
عرفة بكرة فوجده صائما ، فأمره أن يحادثه في يومه هذا ، ثم يختم ذلك بفطره عنده . قال : فحادثته حتى أخذه النوم ، فقمت عنه ، وقلت : أقيل في منزلي ، ثم أجيء بعد ذلك . فذهبت فنمت قليلا ثم قمت ، فأقبلت إلى داره ، فإذا على بابه بشير من
أهل السند ببيعتهم للخليفة وتسليم الأمور إلى نوابه . قال : فحمدت الله تعالى الذي وفقني
[ ص: 298 ] لأن أجيئه ببشارة ، ثم دخلت الدار ، فإذا آخر معه البشارة بفتح
إفريقية فحمدت الله أيضا ، ودخلت عليه فبشرته بذلك وهو يسرح لحيته بعد الوضوء ، فسقط المشط من يده ، ثم قال : سبحان الله ! كل شيء بائد سواه ، نعيت والله نفسي ; حدثني
إبراهيم الإمام ، عن
أبي هاشم عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب ، عن
علي بن أبي طالب ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه يقدم علي في مدينتي هذه وافدان ; وافد
السند ، والآخر وافد
إفريقية بسمعهم وطاعتهم وبيعتهم ، فلا يمضي بعد ذلك ثلاثة أيام حتى أموت . قال : وقد أتاني الوافدان ، فأعظم الله أجرك يا عم في ابن أخيك . فقلت : كلا يا أمير المؤمنين ، إن شاء الله . قال : بلى إن شاء الله ، لئن كانت الدنيا حبيبة إلي ، فصحة الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي منها ، والله ما كذبت ولا كذبت . ثم نهض فدخل منزله ، وأمرني بالجلوس ، فلما جاء المؤذن يعلمه بوقت الظهر خرج الخادم يأمرني أن أصلي عنه ، وكذلك العصر والمغرب والعشاء ، كل ذلك يخرج الخادم فيأمرني أن أصلي عنه ، وبت هناك ، فلما كان وقت السحر خرج الخادم بكتاب معه يأمرني أن أصلي عنه العيد ، ثم أرجع إلى داره ، وفيه يقول : يا عم ، إذا مت فلا تعلم الناس بموتي حتى تقرأ عليهم هذا الكتاب فيبايعوا لمن فيه . قال : فصليت بالناس ، ثم رجعت إليه فإذا ليس به بأس مما أنكره ، ثم دخلت عليه من آخر النهار ، فإذا هو على حاله غير أنه قد خرجت في وجهه حبتان صغيرتان ، ثم كثرتا ، ثم صار في وجهه حب صغار بيض - يقال : إنه جدري - ثم بكرت
[ ص: 299 ] إليه في اليوم الثاني من أيام التشريق فإذا هو قد هجر وذهبت عنه معرفتي ومعرفة غيري ، فرجعت إليه بالعشي ، فإذا هو قد انتفخ حتى صار مثل الزق ، وتوفي في اليوم الثالث من أيام التشريق ، فسجيته كما أمرني ، وخرجت إلى الناس ، فقرأت عليهم الكتاب ، فإذا فيه : من عبد الله أمير المؤمنين ، إلى الرسول والأولياء وجماعة المسلمين : سلام عليكم ، أما بعد ، فقد قلد أمير المؤمنين الخلافة عليكم بعد وفاته أخاه ، فاسمعوا له وأطيعوا ، وقد قلد الخلافة من بعد عبد الله
عيسى بن موسى إن كان . قال : فاختلف الناس في قوله : إن كان . قيل : إن كان أهلا لها . وقال آخرون : إن كان حيا . وهذا القول الثاني هو الصواب . ذكره
الخطيب وابن
عساكر مطولا ، وهذا ملخص منه ، وفيه ذكر الحديث المرفوع ، وهو منكر جدا .
وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر أن الطبيب لما دخل عليه أخذ بيده ، فأنشأ
السفاح يقول عند ذلك :
انظر إلى ضعف الحرا ك وذله بيد السكون
ينبئك أن بيانه هذا مقدمة المنون
فقال له الطبيب : أنت صالح . فأنشأ يقول :
يبشرني بأني ذو صلاح يبين له وبي داء دفين
لقد أيقنت أني غير باق ولا شك إذا وضح اليقين
[ ص: 300 ] قال بعض أهل العلم : كان آخر ما تكلم به
nindex.php?page=showalam&ids=14485أبو العباس السفاح حين حضره الموت : الملك لله الحي القيوم ، ملك الملوك ، وجبار الجبابرة . وكان نقش خاتمه : الله ثقة عبد الله .
وكان موته بالجدري في يوم الأحد الثالث عشر من ذي الحجة ، سنة ست وثلاثين ومائة
بالأنبار العتيقة ، عن ثلاث وثلاثين سنة . وكانت خلافته أربع سنين وتسعة أشهر على أشهر الأقوال . وصلى عليه عمه
عيسى بن علي ودفن في قصر الإمارة من
الأنبار ، وترك تسع جباب وأربعة أقمصة وخمس سراويلات وأربع طيالسة وثلاثة مطارف خز . وقد ترجمه
nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر فذكر بعض ما أوردناه .
وممن توفي فيها من الأعيان :
الخليفة السفاح كما تقدم
nindex.php?page=showalam&ids=12318وأشعث بن سوار ،
nindex.php?page=showalam&ids=15632وجعفر بن ربيعة ،
وحصين بن عبد الرحمن ،
nindex.php?page=showalam&ids=15885وربيعة الرأي ،
[ ص: 301 ] وزيد بن أسلم ، nindex.php?page=showalam&ids=16490وعبد الملك بن عمير ، nindex.php?page=showalam&ids=16519وعبيد الله بن أبي جعفر ، nindex.php?page=showalam&ids=16571وعطاء بن السائب . وقد ذكرنا تراجمهم في كتابنا " التكميل " . ولله الحمد والمنة .