[ ص: 303 ] ثم دخلت سنة سبع وثلاثين ومائة
ذكر
خروج عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس على ابن أخيه المنصور
لما رجع
أبو جعفر المنصور من الحج دخل
الكوفة ، فخطب بأهلها يوم الجمعة ، ثم ارتحل منها إلى
الأنبار ، وقد أخذت له البيعة من
أهل العراق
وخراسان وسائر البلاد سوى
الشام ، وقد ضبط
عيسى بن موسى بيوت الأموال والحواصل
للمنصور حتى قدم ، فسلم إليه الأمر ، وكتب إلى
عبد الله بن علي وهو بدروب
الروم يعلمه بوفاة
السفاح ، فلما بلغه الخبر نادى في الناس : الصلاة جامعة . فاجتمع إليه الأمراء والناس ، فقرأ عليهم وفاة
السفاح ، ثم قام فيهم خطيبا ، فذكر أن
السفاح كان عهد إليه حين بعثه إلى
مروان أن يكون الأمر إليه من بعده ، وشهد له بعض أمراء
خراسان بذلك ، ونهضوا إليه فبايعوه ، ورجع إلى
حران فتسلمها من نائب
المنصور بعد محاصرة أربعين ليلة ، وقتل
مقاتل [ ص: 304 ] العكي نائبها ، فلما بلغ
المنصور ما كان من أمر عمه
عبد الله بن علي بعث إليه
أبا مسلم الخراساني ، ومعه جماعة من الأمراء ، وقد تحصن
عبد الله بن علي بحران ، وأرصد عنده مما يحتاج إليه من الأطعمة والسلاح شيئا كثيرا جدا . وسار
أبو مسلم وعلى مقدمته
مالك بن الهيثم الخزاعي ، ولما تحقق
عبد الله بن علي قدوم
أبي مسلم إليه خشي من جيش
خراسان الذين معه أن لا يناصحوه ، فقتل منهم سبعة عشر ألفا ، وأراد قتل
حميد بن قحطبة ، فهرب منه إلى
أبي مسلم . وركب
عبد الله بن علي ، فنزل
نصيبين وخندق حول عسكره ، وأقبل
أبو مسلم ، فنزل ناحية ، وكتب إلى
عبد الله : إني لم أومر بقتالك ، وإنما بعثني أمير المؤمنين واليا على
الشام فأنا أريدها . فخاف جنود
الشام من هذا الكلام وقالوا : إنا نخاف على ذرارينا وأموالنا ، فنحن نذهب إليها نمنعهم منه . فقال
عبد الله بن علي : ويحكم! والله إنه لم يأت إلا لقتالنا . فأبوا إلا أن يرتحلوا نحو
الشام فتحول
عبد الله من منزله ذلك ، وقصد ناحية
الشام ، فنهض
أبو مسلم ، فنزل في موضع عسكر
عبد الله ، وغور ما حوله من المياه ، وكان نزل
عبد الله منزلا جيدا جدا ، واحتاج
عبد الله وأصحابه ، فنزلوا في الموضع الذي نزل فيه
أبو مسلم فوجدوه منزلا رديئا ، ثم أنشأ
أبو مسلم القتال ، فحاربهم خمسة أشهر أو ستة أشهر ، وكان على خيل
عبد الله أخوه
عبد الصمد بن علي ، وعلى ميمنته
بكار بن مسلم العقيلي ، وعلى ميسرته
حبيب بن سويد الأسدي ، وعلى ميمنة
أبي مسلم الحسن بن قحطبة ، وعلى ميسرته
أبو نصر خازم بن [ ص: 305 ] خزيمة ، وقد جرت بينهم وقعات ، وقتل منهم جماعات في أيام نحسات ، وقد كان
أبو مسلم إذا حمل يرتجز ويقول :
من كان ينوي أهله فلا رجع فر من الموت وفي الموت وقع
وكان يعمل له عريش ، فيكون فيه إذا التقى الجيشان ، فما رأى في جيشه من خلل أرسل فأصلحه . فلما كان يوم الثلاثاء أو الأربعاء لسبع خلون من جمادى الآخرة التقوا ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، فمكر بهم
أبو مسلم; بعث إلى
الحسن بن قحطبة أمير الميمنة ، يأمره أن يتحول بمن معه إلا القليل ، إلى الميسرة ، فلما رأى ذلك
أهل الشام انحازوا إلى الميمنة بإزاء الميسرة التي تعمرت ، فأرسل حينئذ
أبو مسلم إلى القلب أن يحمل بمن بقي في الميمنة على ميسرة
أهل الشام ، فحطموهم ، فجال أهل القلب والميمنة من الشاميين ، فحمل الخراسانيون فكانت الهزيمة ، وانهزم
عبد الله بن علي بعد تلوم ، واحتاز
أبو مسلم ما كان في معسكرهم من الأموال والحواصل ، وأمن
أبو مسلم بقية الناس فلم يقتل منهم أحدا ، وكتب إلى
المنصور بذلك ، فأرسل
المنصور مولاه
أبا الخصيب ليحصي ما وجدوا في معسكر
عبد الله ، فغضب من ذلك
أبو مسلم الخراساني ، واستوسقت الممالك
nindex.php?page=showalam&ids=15337لأبي جعفر المنصور في المشارق والمغارب ، ومضى
عبد الله بن علي وأخوه
عبد الصمد على وجوههما ، فلما مرا
بالرصافة أقام بها
عبد الصمد ، فلما رجع
أبو الخصيب وجده بها ، فأخذه مقيدا في الحديد ، فأدخله على
المنصور ، فدفعه إلى
عيسى بن موسى ، فاستأمن له من
المنصور ، وقيل : بل استأمن له
إسماعيل بن علي . وأما
عبد الله بن علي ، فإنه ذهب إلى أخيه
سليمان بن علي بالبصرة ، فأقام
[ ص: 306 ] عنده زمانا مختفيا ، ثم علم به
المنصور ، فبعث إليه فسجنه ، فلبث في السجن تسع سنين ، ثم سقط عليه البيت الذي هو فيه فمات ، كما سيأتي بيانه في موضعه ، إن شاء الله تعالى .