[ ص: 426 ] ثم دخلت سنة ثلاث وخمسين ومائة
فيها غضب
المنصور على كاتبه
nindex.php?page=showalam&ids=11809أبي أيوب المورياني وسجنه ، وسجن أخاه خالدا وبني أخيه الأربعة;
سعيدا ومسعودا ومخلدا ومحمدا ، وطالبهم بالأموال الكثيرة . وكان سبب ذلك ما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=13359الحافظ ابن عساكر في ترجمة
nindex.php?page=showalam&ids=15337أبي جعفر المنصور ، وهو أنه كان في زمن شبيبته قد ورد
الموصل وهو فقير لا شيء له ، ولا معه ، فأجر نفسه من بعض الملاحين حتى اكتسب شيئا تزوج به امرأة ، ثم جعل يعدها ويمنيها أنه من بيت سيصير إليهم الملك سريعا ، فاتفق حبلها منه ، ثم تطلبه
بنو أمية ، فهرب عنها ، وتركها حاملا ، ووضع عندها رقعة فيها نسبه; أنه
عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس ، وأمرها إذا بلغها أمره أن تأتيه ، وإذا ولدت غلاما أن تسميه
جعفرا ، فولدت غلاما فسمته
جعفرا ، ونشأ الغلام فتعلم الكتابة ، وغوى العربية والأدب ، وأتقن ذلك إتقانا جيدا ، ثم آل الأمر إلى
بني العباس ، فسألت عن السفاح ، فإذا هو ليس صاحبها ، ثم قام
المنصور ، وسافر الولد إلى
بغداد فاختلط بكتاب الرسائل ، فأعجب به
أبو أيوب المورياني صاحب ديوان الإنشاء
للمنصور ، وحظي عنده وقدمه على غيره ، فاتفق حضوره معه بين يدي الخليفة ، فجعل الخليفة يلاحظه ، ثم بعث يوما الخادم ليأتيه
[ ص: 427 ] بكاتب ، فدخل ومعه ذلك الغلام ، فكتب بين يدي الخليفة كتابا ، وجعل الخليفة ينظر إليه ويتأمله ، ثم سأله عن اسمه ، فأخبره أنه
جعفر ، فقال : ابن من؟ فسكت الغلام ، فقال : ما لك لا تتكلم؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، إن من خبري كيت وكيت ، فتغير وجه الخليفة ، ثم سأله عن أمه فأخبره ، وسأله عن أحوال بلد
الموصل ، فجعل يخبره والغلام يتعجب ، ثم قام إليه الخليفة ، فاحتضنه وقال : أنت ابني . ثم بعثه بعقد ثمين ومال جزيل وكتاب إلى أمه يعلمها بحقيقة حال الزوج .
وخرج الغلام ومعه ذلك من باب سر الخليفة ، فأحرز ذلك ، ثم جاء إلى
أبي أيوب ، فقال : ما أبطأ بك عند الخليفة؟ فقال : إنه استكتبني في رسائل كثيرة . ثم تقاولا ، ثم فارقه الغلام مغضبا ، ونهض من فوره ، فاستأجر إلى
الموصل ليعلم أمه ، ويحملها وأهلها إلى
بغداد إلى مكان منها أمر به الخليفة . فسار مراحل ، ثم سأل عنه
أبو أيوب ، فقيل : سافر . فظن
أبو أيوب أن هذا قد أفشى شيئا من أسراره إلى الخليفة وفر منه ، فبعث في طلبه رسولا وقال : حيث وجدته فرده علي . فسار الرسول في طلبه ، فوجده في بعض المنازل ، فخنقه وألقاه في بئر ، وأخذ ما كان معه ، فرجع به إلى
أبي أيوب ، فلما وقف
أبو أيوب على الكتاب أسقط في يده ، وندم على بعثه خلفه ، وانتظر الخليفة عود ولده إليه واستبطأه ، فبعث من كشف خبره ، فإذا رسول
أبي أيوب قد لحقه وقتله ، فحينئذ استحضر
أبا أيوب ، وألزمه بأموال عظيمة ، وما زال تحت العقوبة حتى استصفى جميع أمواله وحواصله ، ثم قتله ، وقال : هذا قتل حبيبي . وكان
المنصور كلما ذكر ولده حزن عليه حزنا شديدا .
[ ص: 428 ] وفيها
خرجت الخوارج من الصفرية وغيرهم ببلاد إفريقية ، فاجتمع منهم ثلاثمائة ألف وخمسون ألفا ، ما بين فارس وراجل ، وعليهم
أبو حاتم الإباضي ، وأبو عاد ، وانضم إليهم
أبو قرة الصفري في أربعين ألفا ، فقاتلوا نائب
إفريقية ، فهزموا جيشه وقتلوه ، وهو
عمر بن حفص بن عثمان ابن أبي صفرة الذي كان نائب
السند فعزله
المنصور عنها بسبب مبايعته
محمد بن عبد الله بن حسن ، وولاه هذه البلاد فقتلته
الخوارج ، رحمه الله ، وأكثرت
الخوارج الفساد في البلاد ، وقتلوا الحريم والأولاد ، وآذوا عامة العباد .
وفيها ألزم
المنصور الناس بلبس قلانس سود طوال جدا ، حتى كانوا يستعينون على رفعها من داخلها بالقصب ، فقال
أبو دلامة الشاعر في ذلك :
وكنا نرجي من إمام زيادة فزاد الإمام المصطفى في القلانس تراها على هام الرجال كأنها
دنان يهود جللت بالبرانس
وفيها غزا
الصائفة معيوف بن يحيى الحجوري ، فأسر خلقا كثيرا من
الروم ما ينيف على ستة آلاف أسير ، وغنم أموالا جزيلة .
وحج بالناس
nindex.php?page=showalam&ids=15346المهدي ابن المنصور . وكان على نيابة
مكة والطائف محمد بن إبراهيم ، وعلى
المدينة الحسن بن زيد ، ، وعلى
الكوفة محمد بن سليمان ، وعلى
البصرة يزيد بن منصور ، وعلى
مصر محمد بن سعيد .
[ ص: 429 ] وذكر
الواقدي أن
يزيد بن منصور كان ولاه
المنصور في هذه السنة
اليمن . فالله أعلم .
وفيها توفي
nindex.php?page=showalam&ids=11794أبان بن صمعة ، وأسامة بن زيد الليثي ، nindex.php?page=showalam&ids=15614وثور بن يزيد الحمصي ، والحسن بن عمارة ، nindex.php?page=showalam&ids=16797وفطر بن خليفة ، ومعمر ، nindex.php?page=showalam&ids=17239وهشام بن الغاز . والله أعلم .