[ ص: 556 ] ثم دخلت سنة سبعين ومائة من الهجرة النبوية
فيها
عزم الهادي على خلع أخيه هارون من الخلافة ، وولاية العهد من بعده ومبايعة ابنه جعفر ابن الهادي ، فانقاد
هارون لذلك ، ولم يظهر المنازعة بل المطاوعة ، واستدعى
الهادي جماعة من الأمراء ، فأجابوه إلى ذلك ، وأبت ذلك
أم أمير المؤمنين الخيزران ، وكانت أميل إلى ابنها
nindex.php?page=showalam&ids=14370هارون الرشيد ، وكان
الهادي قد منعها التصرف في شيء من المملكة ، بعد ما كانت قد استحوذت عليه في أول ولايته ، وانقلبت الدول إلى بابها ، والأمراء إلى جانبها فحلف
الهادي لئن عاد أمير يلوذ ببابها ليضربن عنقه ، ولا يقبل لها شفاعة أبدا ، فامتنعت من الكلام في ذلك ، وحلفت لا تكلمه أبدا ، وانتقلت عنه إلى منزل آخر ، وألح هو على أخيه
هارون في الخلع ، وبعث إلى
nindex.php?page=showalam&ids=17312يحيى بن خالد بن برمك - وكان من أكابر الأمراء الذين هم في صف
الرشيد - فقال له : ماذا ترى فيما أريد من خلع
الرشيد ، وتولية ابني
جعفر؟ فقال له : يا أمير المؤمنين ، إني أخشى أن تهون الأيمان على الناس ، ولكن من المصلحة أن تجعل
جعفرا ولي العهد من بعد
هارون ، وأيضا يا أمير المؤمنين ، فإني أخشى أن لا يجيب أكثر الناس إلى البيعة
لجعفر; وهو دون البلوغ ، فيتفاقم الأمر ويختلف الناس فينالها بعض أهلك ، لا هذا ولا هذا .
[ ص: 557 ] فأطرق مليا - وكان ذلك ليلا - ثم أمر بسجنه ، ثم أطلقه .
وجاء يوما إليه أخوه
nindex.php?page=showalam&ids=14370هارون الرشيد ، فجلس عن يمينه بعيدا عنه ، فجعل
الهادي ينظر إليه مليا ثم قال : يا
هارون ، أتطمع أن تكون رؤيا
المهدي حقا؟ فقال : إي والله ، ووالله لئن كان ذلك لأصلن من قطعت ، ولأنصفن من ظلمت ، ولأزوجن بنيك من بناتي . فقال : ذاك الظن بك . فقام إليه
هارون ليقبل يده ، فحلف
الهادي ليجلسن معه على السرير ، فجلس معه ، ثم أمر له بألف ألف دينار ، وأن يدخل الخزائن فيأخذ منها ما أراد ، وإذا جاء الخراج فليدفع إليه نصفه . ففعل ذلك كله ، ورضي
الهادي عن
الرشيد . ثم سافر إلى حديثة
الموصل بعد ذلك ، ثم عاد منها ، فمات
بعيساباذ ليلة الجمعة للنصف من ربيع الأول - وقيل : الآخر - سنة سبعين ومائة . وله من العمر ثلاث وعشرون سنة ، وكانت خلافته سنة وشهرا وثلاثة وعشرين يوما . وكان طويلا جميلا أبيض بشفته العليا تقلص .
وقد توفي في هذه الليلة خليفة ، وهو
الهادي ، وولي خليفة ، وهو
الرشيد ، وولد خليفة ، وهو
nindex.php?page=showalam&ids=15128المأمون ابن الرشيد . وقد كانت
الخيزران أم الخليفة قالت في أول الليل : إنه بلغني أنه يولد الليلة خليفة ، ويموت خليفة ، ويتولى خليفة . يقال : إنها سمعت ذلك من
الأوزاعي قبل ذلك بمدة ، وقد سرها ذلك جدا . ويقال : إنها سمت ولدها
الهادي خوفا على ابنها
الرشيد منه ، وأيضا فإنه
[ ص: 558 ] كان قد أبعدها وأقصاها ، وقرب حظيته خالصة وأدناها . فالله المستعان .