وهذا ذكر شيء
من ترجمة الهادي
هو
موسى بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس ، أبو محمد الهادي أمير المؤمنين ابن المهدي ابن المنصور . ولي الخلافة - كما ذكرنا - في محرم سنة تسع وستين ومائة . وكانت وفاته في النصف من ربيع الأول أو الآخر سنة سبعين ومائة ، وله من العمر ثلاث - وقيل أربع . وقيل : ست - وعشرون سنة . والصحيح الأول ، ويقال : إنه لم يل الخلافة أحد قبله في سنه . وكان حسنا جميلا طويلا أبيض ، في شفته العليا تقلص ، وكان قوي البأس يثب على الدابة وعليه درعان ، وكان أبوه يسميه ريحانتي .
وذكر
عيسى بن دأب قال : كنت يوما عند
الهادي ، إذ جيء بطست فيه رأسا جاريتين ، لم أر أحسن منهما ، ولا مثل شعورهما ، وفي شعورهما اللآلئ والجواهر منضدة ، ولا مثل طيب ريحهما ، فقال : أتدرون ما شأن هاتين؟ قلنا : لا . فقال : إنه ذكر لي عنهما أنهما يرتكبان الفاحشة ، فأمرت الخادم ، فرصدهما ثم جاءني فقال : إنهما مجتمعتان . فجئت فوجدتهما في لحاف واحد وهما على
[ ص: 559 ] الفاحشة ، فأمرت بحز رقابهما . ثم أمر برفع رءوسهما من بين يديه ، ورجع إلى حديثه الأول ، كأن لم يصنع شيئا . وكان شهما خبيرا بالملك كريما .
ومن كلامه : ما أصلح الملك بمثل تعجيل العقوبة للجاني ، والعفو عن الزلات القريبة ، ليقل الطمع عن الملك .
وغضب يوما من رجل ، فاسترضي عنه فرضي ، فشرع الرجل يعتذر ، فقال
الهادي : إن الرضا قد كفاك مؤنة الاعتذار .
وعزى
الهادي رجلا في ولد له توفي : فقال له : أسرك وهو عدو وفتنة ، وأحزنك وهو صلاة ورحمة .
وروى
الزبير بن بكار أن
مروان بن أبي حفصة أنشد
الهادي قصيدة له ، منها :
تشابه يوما بأسه ونواله فما أحد يدري لأيهما الفضل
فقال له
الهادي : أيما أحب إليك؟ ثلاثون ألفا معجلة أو مائة ألف تدور في الدواوين؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، أوأحسن من ذلك؟ قال : وما هو؟ قال : تكون ثلاثون ألفا معجلة ومائة ألف تدور بالدواوين . فقال
الهادي : أو أحسن من ذلك; نعجل الجميع لك . فأمر له بمائة ألف وثلاثين ألفا معجلة .
[ ص: 560 ] وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14231الخطيب البغدادي : حدثني
الأزهري ، ثنا
سهل بن أحمد الديباجي ، ثنا
الصولي ، ثنا
الغلابي ، حدثني
محمد بن عبد الرحمن التيمي المكي ، حدثني
المطلب بن عكاشة المزني قال : قدمنا على
أبي محمد الهادي شهودا على رجل منا شتم
قريشا ، وتخطى إلى ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجلس لنا مجلسا أحضر فيه فقهاء أهل زمانه ، ومن كان بالحضرة على بابه ، وأحضر الرجل وأحضرنا ، فشهدنا عليه بما سمعنا منه ، فتغير وجه
الهادي ، ثم نكس رأسه ، ثم رفعه ، فقال : إني سمعت أبي
المهدي يحدث عن أبيه
المنصور ، عن أبيه
محمد بن علي عن أبيه
nindex.php?page=showalam&ids=16629علي بن عبد الله بن عباس قال : من أراد هوان
قريش أهانه الله ، وأنت يا عدو الله لم ترض بأن أردت ذلك من
قريش حتى تخطيت إلى ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم! اضربوا عنقه . فما برحنا حتى قتل .
توفي
الهادي في ربيع الأول من هذه السنة ، وصلى عليه أخوه
هارون ولي العهد ، ودفن في قصر بناه وسماه الأبيض
بعيساباذ من الجانب الشرقي من
بغداد . وكان له من الولد تسعة; سبعة ذكور وابنتان ، فالذكور;
جعفر - وهو الذي كان قد رشحه للخلافة -
وعباس ، وعبد الله وإسحاق وإسماعيل وسليمان وموسى الأعمى الذي ولد بعد وفاته فسمي باسم أبيه ، والبنتان هما
أم عيسى التي تزوجها
المأمون ، والأخرى
أم [ ص: 561 ] العباس تلقب نوتة .