[ ص: 61 ] ثم دخلت سنة خمس وتسعين ومائة
ففي صفر منها
أمر الأمين أن لا يتعاملوا بالدراهم والدنانير التي عليها اسم المأمون ونهى أن يدعى له على المنابر ، وأن يقتصر على الدعاء له ، ثم من بعده لولده الناطق بالحق .
وفيها تسمى
المأمون بإمام المؤمنين .
وفي ربيع الآخر منها
عقد الأمين لعلي بن عيسى بن ماهان الإمارة على الجبل ،
وهمذان ، وأصبهان ، وقم وتلك البلاد ، وأمره بحرب
المأمون وجهز معه جيشا كثيرا ، وأنفق فيهم نفقات عظيمة ، وأعطاه مائتي ألف دينار ، ولولده خمسين ألف دينار ، وألفي سيف محلى ، وستة آلاف ثوب للخلع .
وخرج
علي بن عيسى بن ماهان من
بغداد في أربعين ألف فارس ومعه قيد من فضة ؛ ليأتي
بالمأمون فيه . وخرج
الأمين معه مشيعا ، فسار حتى وصل إلى
الري فتلقاه الأمير
طاهر في أربعة آلاف ، فكانت بينهم أمور آل الحال فيها إلى أن اقتتلوا ، فقتل
علي بن عيسى ، وانهزم أصحابه ، وحمل رأسه وجثته إلى
[ ص: 62 ] الأمير طاهر ، فكتب بذلك إلى وزير
المأمون ذي الرياستين . وكان الذي قتل
علي بن عيسى رجل يقال له : طاهر الصغير فسمي
ذا اليمينين لأنه أخذ السيف بيديه الثنتين ، فذبح به
علي بن عيسى بن ماهان ففرح بذلك
المأمون وذووه .
وانتهى الخبر إلى
الأمين وهو يصيد السمك من
دجلة ، فقال : ويحك ، دعني من هذا ؛ فإن
كوثرا قد صاد سمكتين ، ولم أصد بعد شيئا . وأرجف الناس
ببغداد ، وخافوا غائلة هذا الأمر ، وندم
nindex.php?page=showalam&ids=13739محمد الأمين على ما كان منه من نكث العهد ، وخلع أخيه
المأمون وما وقع من الأمر الفظيع . وكان رجوع الخبر إليهم بذلك في شوال منها .
ثم
جهز عبد الرحمن بن جبلة الأبناوي في عشرين ألفا من المقاتلة إلى همذان ليقاتلوا طاهر بن الحسين بن مصعب ومن معه من
الخراسانية ، فلما اقتربوا منهم تواجهوا ، فتقاتلوا قتالا شديدا ، فكثرت القتلى بينهم من الفريقين ، ثم انهزم أصحاب
عبد الرحمن بن جبلة فلجئوا إلى
همذان فحاصرهم بها
طاهر حتى اضطرهم إلى أن دعوا إلى الصلح ، فصالحهم وأمنهم ووفى لهم ، وانصرف
عبد الرحمن بن جبلة وقد بقي منهم أنهم راجعين ، ثم غدروا بأصحاب
طاهر ، وحملوا عليهم وهم غافلون فقتلوا منهم خلقا ، وصبر لهم أولئك ، ثم نهضوا إليهم فحملوا عليهم فهزموهم وقتلوا أميرهم
عبد الرحمن [ ص: 63 ] بن جبلة وفر أصحابه خائبين .
فلما رجعوا إلى
بغداد واضطربت الأمور ، وكثرت الأراجيف ، وكان ذلك في ذي الحجة من هذه السنة ، وطرد
طاهر عمال
nindex.php?page=showalam&ids=13739محمد الأمين عن
قزوين وتلك النواحي ، وقوي أمر
المأمون جدا بتلك البلاد .
وفي ذي الحجة من هذه السنة ظهر أمر
السفياني بالشام ، واسمه
علي بن عبد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ، فعزل نائبها ، ودعا إلى نفسه فبعث إليه
الأمين جيشا ، فلم يقدموا عليه بل أقاموا بالرقة ، وكان من أمره ما سنذكره بعد .
وحج بالناس في هذه السنة نائب
الحجاز داود بن عيسى .