[ ص: 129 ] ثم دخلت سنة أربع ومائتين
فيها كان
قدوم المأمون أرض العراق ، وذلك أنه مر
بجرجان فأقام بها شهرا ، ثم سار منها ، وكان ينزل في المنزل يوما أو يومين ، ثم جاء إلى
النهروان فأقام بها ثمانية أيام ، وقد كان كتب إلى
طاهر بن الحسين وهو
بالرقة أن يوافيه إلى
النهروان فوافاه بها وتلقاه رءوس أهل بيته والقواد ، وجمهور الجيش . فلما كان يوم السبت الآخر دخل
بغداد ارتفاع النهار ، لأربع عشرة ليلة بقيت من صفر ، في أبهة عظيمة وجيش عظيم ، وعليه وعلى جميع أصحابه وقبابهم وجميع لباسهم الخضرة فلبس أهل
بغداد وبنو هاشم أجمعون الخضرة ، ونزل
المأمون بالرصافة ثم تحول إلى قصره على
دجلة ، وجعل الأمراء ، ووجوه الدولة يترددون إلى داره على العادة ، وقد تحول لباس البغاددة إلى الخضرة ، وجعلوا يحرقون كل ما يجدونه من السواد فمكثوا بذلك ثمانية أيام . ثم استعرض حوائج
طاهر بن الحسين فكان أول حاجة سألها أن يرجع إلى لباس السواد فإنه لباس آبائه من دولة ورثة الأنبياء . فلما كان السبت
[ ص: 130 ] الآخر وهو الثالث والعشرون من صفر جلس
المأمون للناس وعليه الخضرة ، ثم إنه أمر بخلعة سوداء ، فألبسها طاهرا ، ثم ألبس بعده جماعة من الأمراء السواد فلبس الناس السواد وعادوا إلى ذلك ، بعد ما علم منهم الطاعة والموافقة ، وقد قيل : إن
المأمون مكث يلبس الخضرة بعد قدومه
بغداد سبعا وعشرين يوما . فالله أعلم .
ولما جاء إليه عمه
إبراهيم بن المهدي بعد اختفائه ست سنين وشهورا ، قال له
المأمون : أنت الخليفة الأسود . فأخذ في الاعتذار والاستغفار ، ثم قال
للمأمون : أنا الذي مننت عليه يا أمير المؤمنين بالعفو . وأنشد
المأمون عند ذلك :
ليس يزري السواد بالرجل الشه م ولا بالفتى الأديب الأريب إن يكن للسواد منك نصيب
فبياض الأخلاق منك نصيبي
قال
القاضي ابن خلكان : وقد نظم هذا المعنى بعض المتأخرين ، وهو
nindex.php?page=showalam&ids=13449نصر الله بن قلاقس الإسكندري فقال :
رب سوداء وهي بيضاء فعل حسد المسك عندها الكافور
مثل حب العيون يحسبه النا س سوادا وإنما هو نور
[ ص: 131 ] وكان
المأمون قد شاور في قتل عمه
إبراهيم بن المهدي فقال له
أحمد بن خالد الوزير الأحول : يا أمير المؤمنين ، إن قتلته فلك نظراء ، وإن عفوت عنه فما لك نظير . ثم شرع
المأمون في بناء قصور على
دجلة إلى جانب قصره بها ، وسكنت الفتن وانزاحت الشرور ، وأمر بمقاسمة أهل السواد على الخمسين ، وكانوا يقاسمون على النصف ، واتخذ القفيز الملجم وهو عشرة مكاكي بالمكوك الهاروني ، ووضع شيئا كثيرا من خراجات بلاد شتى ، ورفق بالناس في مواضع كثيرة .
وولى أخاه
أبا عيسى بن الرشيد الكوفة وولى أخاه
صالحا البصرة وولى
عبيد الله بن الحسن بن عبد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب نيابة
الحرمين ، وهو الذي حج بالناس في هذه السنة ، وفيها واقع
nindex.php?page=showalam&ids=17335يحيى بن معاذ بابك الخرمي فلم يظفر به .