ثم دخلت سنة سبع ومائتين
فيها
خرج عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب ببلاد عك في اليمن ، يدعو إلى الرضا من آل محمد ، وذلك أن العمال باليمن أساءوا السيرة إلى الرعايا ، فلما ظهر
عبد الرحمن هذا بايعه الناس ، فلما بلغ أمره إلى
المأمون بعث إليه
دينار بن عبد الله في جيش كثيف ومعه كتاب أمان
لعبد الرحمن هذا ، إن هو سمع وأطاع ، فحضروا الموسم ، ثم ساروا إلى
اليمن ، فلما انتهوا إلى
عبد الرحمن ، بعث دينار بكتاب الأمان فقبله وسمع وأطاع ، وجاء حتى وضع يده في يد دينار ، فسار معه إلى
بغداد ولبس السواد فيها .
وفيها توفي
طاهر بن الحسين بن مصعب ؛ نائب
العراق بكمالها ،
[ ص: 162 ] وخراسان بكمالها ، وجد في فراشه ميتا بعد ما صلى العشاء الآخرة والتف في الفراش ، فاستبطأ أهله خروجه لصلاة الفجر ، فدخل عليه أخوه وعمه فوجداه ميتا ، فلما بلغ موته
المأمون قال : لليدين وللفم ، الحمد لله الذي قدمه وأخرنا . وذلك أنه بلغه أنه خطب يوما ولم يدع له فوق المنبر ، ومع هذا ولى ولده
عبد الله مكانه ، مع إضافة أرض الجزيرة والشام إلى نيابته ، فاستخلف
عبد الله على
خراسان أخاه
طلحة بن طاهر سبع سنين ، ثم توفي
طلحة فاستقل
عبد الله بجميع تلك البلاد ، وكان نائب
عبد الله على
بغداد إسحاق بن إبراهيم . وقد كان
طاهر بن الحسين هو الذي انتزع
بغداد وأرض
العراق بكمالها من يد
الأمين بن الرشيد وقتله أيضا واستوسق الأمر
للمأمون ، كما ذكرنا في سنة خمس وتسعين ، وقد دخل
طاهر هذا يوما على
المأمون فسأله حاجة فقضاها له ، ثم نظر إليه
المأمون واغرورقت عيناه ، فقال له
طاهر : ما يبكيك يا أمير المؤمنين ؟ فلم يخبره ، فأعطى
طاهر حسينا الخادم مائتي ألف درهم حتى استعلم له ما كان خبر بكائه ، فقال له : لا تخبر به أحدا ، أقتلك ، ذكرت مقتل أخي ، وما ناله من الإهانة على يدي
[ ص: 163 ] طاهر ، ووالله لا تفوته مني . فلما تحقق
طاهر ذلك سعى في النقلة من بين يديه ، ولم يزل حتى ولاه
خراسان وأطلق له خادما من خدامه ، وعهد إلى الخادم إن رأى منه ما يريبه أن يسمه ، فلما خطب يوم الجمعة
طاهر ، ولم يدع
للمأمون ، سمه الخادم في كامخ ، فمات من ليلته .
وقد كان
طاهر بن الحسين هذا يقال له : ذو اليمينين . وكان بفرد عين ، فقال فيه
عمرو بن بانة :
يا ذا اليمينين وعين واحده نقصان عين ويمين زائده
واختلف في معنى كونه ذا اليمينين ، فقيل : لأنه ضرب رجلا بشماله فقده نصفين . ويحتمل أنه لقب بذلك لأنه ولي
العراق وخراسان .
وقد كان كريما ممدحا يحب الشعر ويجزي عليه الجزيل . ركب يوما في حراقة فقال فيه شاعر :
[ ص: 164 ] عجبت لحراقة ابن الحسي ن لا غرقت كيف لا تغرق
وبحران من فوقها واحد وآخر من تحتها مطبق
وأعجب من ذاك أعوادها وقد مسها كيف لا تورق
فأجازه بثلاثة آلاف دينار ، وقال : إن زدتنا زدناك .
قال
ابن خلكان : ما أحسن ما قاله بعض الشعراء في بعض الرؤساء وقد ركب البحر :
ولما امتطى البحر ابتهلت تضرعا إلى الله يا مجري الرياح بلطفه
جعلت الندى من كفه مثل موجه فسلمه واجعل موجه مثل كفه
قال القاضي
ابن خلكان : مات
طاهر بن الحسين هذا يوم السبت لخمس بقين من جمادى الآخرة سنة سبع ومائتين ، وكان مولده سنة تسع وخمسين ومائة . وكان الذي سار إلى ولده
عبد الله بن طاهر وهو بأرض
الرقة يعزيه في أبيه ويهنيه بولاية تلك البلاد ، القاضي
nindex.php?page=showalam&ids=17299يحيى بن أكثم عن أمر
المأمون
وفي هذه السنة غلا السعر
ببغداد والكوفة والبصرة ، حتى بلغ سعر القفيز من
[ ص: 165 ] الحنطة أربعين درهما .
وحج بالناس في هذه السنة
أبو علي بن الرشيد ، أخو
المأمون
وفيها توفي من الأعيان :
nindex.php?page=showalam&ids=15538بشر بن عمر الزهراني ، nindex.php?page=showalam&ids=15637وجعفر بن عون ، nindex.php?page=showalam&ids=16365وعبد الصمد بن عبد الوارث ، وقراد أبو نوح ، وكثير بن هشام ، ومحمد بن كناسة ، ومحمد بن عمر الواقدي ، قاضي
بغداد وصاحب السير والمغازي ،
nindex.php?page=showalam&ids=11920وأبو النضر هاشم بن القاسم ، والهيثم بن [ ص: 166 ] عدي ، صاحب التصانيف .
nindex.php?page=showalam&ids=14888ويحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور أبو زكريا ، الكوفي ، نزيل
بغداد مولى بني سعد ، المشهور بالفراء ، شيخ النحاة واللغويين والقراء ، وكان يقال له : أمير المؤمنين في النحو . وروى الحديث عن
خازم بن الحسين البصري ، عن
مالك بن دينار عن
أنس بن مالك قال :
قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان مالك يوم الدين [ الفاتحة : 4 ] بالألف . رواه
الخطيب ، قال : وكان ثقة إماما .
وذكر أن
المأمون أمره بوضع كتاب في النحو فأملاه ، وكتبه الناس عنه ، وأمر
المأمون بكتبه في الخزائن ، وأنه كان يؤدب ولديه وليي العهد ، فقام يوما ، فابتدراه أيهما يقدم نعليه ، فتنازعا في ذلك ثم اصطلحا على أن يقدم كل واحد منهما نعلا ، فأطلق لهما أبوهما عشرين ألف دينار ،
وللفراء عشرة آلاف درهم ، وقال له : لا أعز منك إذ يقدم نعليك وليا العهد .
[ ص: 167 ] وروي أن
nindex.php?page=showalam&ids=15211بشرا المريسي أو
محمد بن الحسن سأل
الفراء عن رجل سها في سجدتي السهو ، فقال : لا شيء عليه . قال : ولم ؟ قال : لأن أصحابنا قالوا : المصغر لا يصغر . فقال : ما ظننت أن امرأة تلد مثلك .
والمشهور أن
محمدا هو الذي سأله عن ذلك ، وكان ابن خالة
الفراء
وقال
أبو بكر محمد بن يحيى الصولي : توفي
الفراء سنة سبع ومائتين .
قال
الخطيب : كانت وفاته
ببغداد . وقيل : بطريق
مكة . وقد امتدحوه وأثنوا عليه في مصنفاته .