[ ص: 296 ] ثم دخلت سنة ثمان وعشرين ومائتين
في رمضان منها
خلع الخليفة الواثق على أشناس الأمير وتوجه وألبسه وشاحين من جوهر .
وحج بالناس في هذه السنة
محمد بن داود الأمير . وغلا السعر على الناس في طريق
مكة جدا ، وأصابهم حر شديد ، وهم
بعرفة ثم برد شديد ، ومطر عظيم في ساعة واحدة ، ونزل عليهم وهم
بمنى مطر لم ير مثله ، وسقطت قطعة من الجبل عند
جمرة العقبة فقتلت جماعة من الحجاج .
قال
ابن جرير وفيها مات
أبو الحسن المدائني في منزل
إسحاق بن إبراهيم الموصلي ، وحبيب بن أوس الطائي أبو تمام الشاعر .
قلت :
أما أبو الحسن علي بن محمد المدائني أحد أئمة هذا الشأن ، وإمام الأخباريين في زمانه ، فتقدم ذكر وفاته قبل هذه السنة ، والله أعلم .
أما
أبو تمام الطائي الشاعر : صاحب الحماسة التي جمعها في
[ ص: 297 ] فصل الشتاء
بهمذان في دار وزيرها ، فهو
حبيب بن أوس بن الحارث بن قيس بن الأشج بن يحيى بن مرينا بن سهم بن خلجان بن مروان بن دفافة بن مر بن سعد بن كاهل بن عمرو بن عدي بن عمرو بن الحارث بن طيئ ، وهو جلهمة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان أبو تمام الطائي الشاعر الأديب المشهور .
ونقل
الخطيب ، عن
محمد بن يحيى الصولي أنه حكى عن بعض الناس أنهم قالوا :
nindex.php?page=showalam&ids=11952أبو تمام حبيب بن تدرس النصراني ، فسماه
أبو تمام أوسا بدل
تدرس . قال
ابن خلكان وأصله من
قرية جاسم من عمل
الجيدور بالقرب
[ ص: 298 ] من
طبرية وكان
بدمشق يعمل عند حائك ثم سار إلى
مصر في شبيبته ،
وابن خلكان أخذ ذلك من " " تاريخ
nindex.php?page=showalam&ids=13359الحافظ ابن عساكر " " ، وقد ترجم
أبا تمام ترجمة حسنة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14231الخطيب ، البغدادي وهو شامي الأصل ، وكان
بمصر في حداثته يسقي الماء في المسجد الجامع ثم جالس الأدباء فأخذ عنهم وتعلم منهم ، وكان فطنا فهما ، وكان يحب الشعر ، فلم يزل يعانيه حتى قال الشعر فأجاد ، وشاع ذكره ، وسار شعره وبلغ
المعتصم خبره فحمله إليه وهو
بسر من رأى فعمل فيه قصائد ، فأجازه
المعتصم وقدمه على شعراء وقته ، فقدم
بغداد فجالس الأدباء ، وعاشر العلماء ، وكان موصوفا بالظرف وحسن الأخلاق وكرم النفس ، وقد روى عنه
أحمد بن أبي طاهر وغيره أخبارا مسندة .
قال القاضي
ابن خلكان : كان يحفظ أربع عشرة ألف أرجوزة للعرب غير القصائد والمقاطيع ، وغير ذلك . وكان يقال : في طيئ ثلاثة :
حاتم في كرمه ،
nindex.php?page=showalam&ids=15853وداود الطائي في زهده ،
وأبو تمام في شعره ، قلت : وقد كان الشعراء في زمانه جماعة ؛ فمن مشاهيرهم
أبو الشيص nindex.php?page=showalam&ids=15865ودعبل بن علي ، وابن أبي قيس ، وقد كان
أبو تمام من خيارهم دينا وأدبا وأخلاقا . ومن رقيق شعره قوله :
[ ص: 299 ] يا حليف الندى ويا توءم الجو د ويا خير من حبوت القريضا ليت حماك بي وكان لك الأج
ر فلا تشتكي وكنت المريضا
وقد ذكر
الخطيب عن
إبراهيم بن محمد بن عرفة أن
أبا تمام توفي في سنة ثمان وعشرين ومائتين ، وكذا قال
ابن جرير وحكي عن بعضهم أنه توفي في سنة إحدى وثلاثين ، وقيل : سنة ثنتين وثلاثين . فالله أعلم .
وكانت وفاته
بالموصل ، وبنيت على قبره قبة ، وحكى
الصولي عن
الوزير محمد بن عبد الملك بن الزيات أنه قال يرثيه :
نبأ أتى من أعظم الأنباء لما ألم مقلقل الأحشاء
قالوا حبيب قد ثوى فأجبتهم ناشدتكم لا تجعلوه الطائي
وقال غيره :
فجع القريض بخاتم الشعراء وغدير روضتها حبيب الطائي
ماتا معا فتجاورا في حفرة وكذاك كانا قبل في الأحياء
[ ص: 300 ] وقد جمع
الصولي شعر
nindex.php?page=showalam&ids=11952أبي تمام على حروف المعجم . قال القاضي
ابن خلكان وقد امتدح
أحمد بن المعتصم - ويقال :
ابن المأمون - بقصيدته التي يقول فيها :
إقدام عمرو في سماحة حاتم في حلم أحنف في ذكاء إياس
فقال له بعض الحاضرين : أتقول هذا لأمير المؤمنين ، وهو أكبر قدرا من هؤلاء . فأطرق ساعة ، ثم قال :
لا تنكروا ضربي له من دونه مثلا شرودا في الندى والباس
فالله قد ضرب الأقل لنوره مثلا من المشكاة والنبراس
فلما أخذوا منه القصيدة لم يجدوا فيها هذين البيتين ، وإنما قالهما ارتجالا . قال بعضهم : لا يعيش هذا بعد هذا إلا قليلا . فكان كذلك . قال
القاضي : وقد زعم بعضهم أن هذه القصيدة امتدح بها بعض الخلفاء ، فأقطعه
الموصل فأقام بها أربعين يوما ، وليس هذا بصحيح ، ولا أصل له ، وإن كان قد لهج به بعض الناس
nindex.php?page=showalam&ids=14423كالزمخشري وغيره ، وقد أورد له
nindex.php?page=showalam&ids=13359الحافظ ابن عساكر أشياء مستطرفة من شعره الرائق ونظمه الفائق ؛ فمن ذلك قوله :
[ ص: 301 ] ولو كانت الأرزاق تجري على الحجا هلكن إذا من جهلهن البهائم
ولم يجتمع شرق وغرب لقاصد ولا المجد في كف امرئ والدراهم
ومنه قوله :
وما أنا بالغيران من دون عرسه إذا أنا لم أصبح غيورا على العلم
طبيب فؤادي مذ ثلاثين حجة ومذهب همي والمفرج للغم