[ ص: 468 ] ثم دخلت
سنة تسع وأربعين ومائتين
في يوم الجمعة النصف من رجب منها التقى جمع من المسلمين ، وخلق من
الروم بالقرب من
ملطية فاقتتلوا قتالا عظيما ، قتل من الفريقين خلق كثير ، وقتل أمير المسلمين
عمر بن عبد الله بن الأقطع ، وقتل معه ألفا رجل من المسلمين ، وكذلك قتل الأمير
علي بن يحيى الأرمني في طائفة من المسلمين أيضا ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، وقد كان هذان الأميران من أكبر أنصار الإسلام .
ووقعت
فتنة عظيمة ببغداد في أول يوم من صفر من هذه السنة ، وذلك أن العامة كرهوا جماعة من الأمراء الذين قد تغلبوا على أمر الخلافة ، وقتلوا
المتوكل ، واستضعفوا
المنتصر والمستعين بعده ; فنهضوا إلى السجن ، فأخرجوا من فيه ، وجاءوا إلى الجسر فقطعوه وضربوا الآخر بالنار ، فأحرقوه ، ونادوا بالنفير فاجتمع خلق كثير وجم غفير ، ونهبوا أماكن متعددة ، وذلك بالجانب الشرقي من
بغداد ثم جمع أهل اليسار من أهل
بغداد أموالا كثيرة ; لتصرف إلى من
[ ص: 469 ] ينهض إلى ثغور
الروم لقتالهم عوضا عن من قتل من المسلمين هناك ، فأقبل خلق كثير من نواحي الجبال
والأهواز وفارس وغيرها لغزو
الروم ، وذلك أن الخليفة والجيش تأخروا عن النهوض فغضبت العامة من ذلك ، وفعلوا ما ذكرنا .
ولتسع بقين من ربيع الأول نهض عامة أهل
سامرا إلى السجن ، فأخرجوا من فيه ، وجاءهم قوم من الجيش ، يقال لهم : الزرافة ، فهزمتهم العامة فركب عند ذلك
وصيف وبغا الصغير وعامة
الأتراك ، فقتلوا من العامة خلقا كثيرا ، وجرت فتن طويلة كثيرة ، ثم سكنت .
وفي النصف من ربيع الآخر وقعت فتنة بين
الأتراك ، وذلك أن
الخليفة المستعين كان قد فوض أمر الخلافة والتصرف في أموال بيت المال إلى ثلاثة ; وهم
أتامش التركي ، وكان أخص من عنده ، وهو بمنزلة الوزير ، وفي حجره
العباس ابن المستعين يربيه ، ويعلمه الفروسية ،
وشاهك الخادم ، وأم الخليفة ، وكان لا يمنعها شيئا تريده ، وكان لها كاتب يقال له :
سلمة بن سعيد [ ص: 470 ] النصراني . فأقبل
أتامش فأسرف في أخذ الأموال حتى لم يبق ببيت المال شيئا ، فغضب
الأتراك من ذلك ، وغارت منه فاجتمعوا عليه عند ذلك ، وركبوا إليه ، وأحاطوا بقصر الخلافة ، وهو عند
المستعين ، ولم يمكنه منعه منهم ، ولا دفعهم عنه فأنزلوه صاغرا فقتلوه ، وانتهبوا أمواله وحواصله ودوره ، واستوزر الخليفة بعده
أبا صالح عبد الله بن محمد بن يزداد ، وولى
بغا الصغير فلسطين ، وولى
وصيفا الأهواز ، وجرى خبط كبير ، ووهن كثير من أمر الخليفة .
وتحركت المغاربة
بسامرا في يوم الخميس لثلاث خلون من جمادى الآخرة ، فكانوا يجتمعون فيركبون ، ثم يتفرقون .
وفي يوم الجمعة لخمس بقين من جمادى الأولى ، وهو اليوم السادس عشر من تموز ، مطر أهل
سامرا مطرا عظيما برعد وبرق ، والغيم مطبق ، والمطر مستهل كثير من أول النهار إلى اصفرار الشمس . وفي ذي الحجة أصاب أهل
الري زلزلة شديدة جدا ، ورجفة هائلة تهدمت منها الدور ، ومات منها خلق كثير ، وخرج بقية أهلها إلى الصحراء .
وحج بالناس في هذه السنة
عبد الصمد بن موسى بن محمد بن إبراهيم [ ص: 471 ] الإمام ، وهو والي
مكة .