وممن توفي في هذه السنة من الأعيان :
إبراهيم بن حمش ، أبو إسحاق الواعظ الزاهد النيسابوري ، كان يعظ الناس ، فكان من جملة كلامه الحسن قوله : يضحك القضاء من الحذر ، ويضحك الأجل من الأمل ، ويضحك التقدير من التدبير ، وتضحك القسمة من الجهد والعناء .
[ ص: 15 ] علي بن محمد بن الفرات ، أبو الحسن الوزير
ولاه
المقتدر الوزارة ، ثم عزله ، ثم ولاه ، ثم عزله ، ثم ولاه ، ثم عزله هذه السنة وقتله ، وكان ذا مال جزيل جدا ، ملك عشرة آلاف ألف دينار ، وكان يدخله من ضياعه في كل سنة ألفا ألف دينار ، وكان ينفق على خمسة آلاف من العلماء والعباد ويجري عليهم الأرزاق في كل شهر ، أثابه الله ، وكان فيه كفاية ونهضة ومعرفة بالوزارة والحساب ، يقال : إنه نظر يوما في ألف كتاب ، ووقع على ألف رقعة ، فتعجب من حضره من ذلك ، وكانت فيه مروءة وكرم وحسن سيرة في ولاياته ، غير المرة الثالثة ; فإنه ظلم وغشم وصادر الناس عن أموالهم ، فأخذه الله أخذ عزيز مقتدر . وقد كان فيه كرم وسعة في النفقة ، ذكر عنده ذات ليلة أهل الحديث والصوفية وأهل الأدب والشعراء والفقهاء ، فأطلق من ماله لكل طائفة عشرين ألفا .
وكتب رجل على لسانه إلى نائب
مصر كتابا فيه الوصية به إليه ، فلما وقف على المكتوب إليه استراب به ، وقال : ما هذا خطه ، وأرسل به إلى الوزير ، فلما وقف عليه الوزير عرف أنه كذب وزور ، واستشار الحاضرين عنده في الذي زور عليه ، فقال بعضهم : ينبغي أن تقطع يده ، وقال غيره : يقطع إبهامه ، وقال الآخر : يضرب ضربا عنيفا . فقال الوزير : أو خير من ذلك ؟ فأخذ الكتاب ،
[ ص: 16 ] وكتب عليه : نعم هذا خطي ، وهو من أخص أصحابي ، فلا تترك شيئا مما تقدر عليه من الإحسان إلا وصلته به . فلما عاد الكتاب أحسن نائب
مصر إلى ذلك الرجل ، ووصله بنحو من عشرين ألف دينار .
واستدعى
ابن الفرات يوما ببعض الكتاب ، فقال له : ويحك ! إن نيتي فيك سيئة ، وإني في كل وقت أريد أن أقبض عليك وأصادرك مالك ، فرأيت في المنام من ليال أني قد أمرت بالقبض عليك ، فجعلت تمتنع مني ، فأمرت جندي أن تقاتل ، فجعلوا كلما ضربوك بشيء من سهام أو غيرها من السلاح تتقي الضرب برغيف في يدك ، فلا يصل إليك بسببه شيء ، فأعلمني ما قصة هذا الرغيف ؟ فقال : أيها الوزير ، إن أمي منذ كنت صغيرا كانت تضع في كل ليلة تحت وسادتي رغيفا ، ثم تصبح فتتصدق به عني ، ولم يزل ذلك دأبها حتى ماتت . ففعلته بعدها ، فأنا في كل ليلة أبيت تحت وسادتي رغيفا ، ثم أصبح فأتصدق به ، فعجب الوزير من ذلك وقال : والله لا ينالك مني سوء أبدا ، ولقد حسنت نيتي فيك وأحببتك . وقد أطال
ابن خلكان ترجمته وذكر بعض ما أوردناه .
محمد بن محمد بن سليمان بن الحارث بن عبد الرحمن
أبو بكر الأزدي الواسطي ، المعروف بالباغندي ، سمع
nindex.php?page=showalam&ids=13608محمد بن عبد الله بن نمير ،
nindex.php?page=showalam&ids=12508وابن أبي شيبة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16131وشيبان بن فروخ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16604وعلي بن المديني ، وخلقا من
أهل الشام ومصر والكوفة والبصرة وبغداد ، ورحل إلى الأمصار البعيدة ، وعني
[ ص: 17 ] بهذا الشأن ، واشتغل فيه فأفرط ، حتى قيل : إنه كان ربما سرد بعض الأحاديث بأسانيدها في الصلاة وهو لا يشعر ، فيسبح به حتى يتذكر أنه في الصلاة . وكان يقول : أنا أجيب في ثلاثمائة ألف مسألة من الحديث . وقد رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المنام ، فقال له : يا رسول الله ، أيما أثبت في الحديث
منصور أو
الأعمش ؟ فقال له :
منصور ، منصور . وقد كان يعاب بالتدليس ، حتى قال
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني : هو كثير التدليس ، يحدث بما لم يسمع ، وربما سرق بعض الأحاديث .