وهذه
ترجمة المقتدر بالله أمير المؤمنين
هو
nindex.php?page=showalam&ids=15297جعفر أمير المؤمنين المقتدر بالله بن المعتضد بالله أحمد بن أبي أحمد الموفق بن جعفر المتوكل بن محمد المعتصم بن هارون الرشيد بن محمد المهدي بن عبد الله أبي جعفر المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس يكنى أبا الفضل العباسي ، مولده في ليلة الجمعة لثمان بقين من رمضان سنة ثنتين وثمانين ومائتين ، وأمه أم ولد اسمها
شغب ، ولقبت في خلافة ولدها بالسيدة ، بويع له بالخلافة بعد أخيه المكتفي يوم الأحد لأربع عشرة مضت من ذي القعدة ، سنة خمس وتسعين ومائتين ، وهو يومئذ ابن ثلاث عشرة سنة وشهر وأيام ; ولهذا أراد الجند خلعه في ربيع الأول من سنة ست وتسعين محتجين بصغره وعدم بلوغه ، وتولية
عبد الله بن المعتز ، فلم يتم ذلك ، وانتقض الأمر في ذلك اليوم كما ذكرنا . ثم لما كان شهر الله المحرم من سنة سبع عشرة وثلاثمائة ، أحضره
مؤنس واجتمع الأمراء والقواد وألزموه بخلع نفسه ، وأحضروا أخاه
محمد بن المعتضد ، فبايعوه بالخلافة ولقبوه
القاهر ، فلم يتم ذلك سوى يومين ، ثم رجع
المقتدر إلى الخلافة كما ذكرنا .
وقد كان
المقتدر بالله ربعة من الرجال ، حسن
[ ص: 61 ] الوجه والعينين ، بعيد ما بين المنكبين ، حسن الشعر ، مدور الوجه ، مشربا بحمرة ، حسن الخلق ، قد شاب رأسه وعارضاه ، وقد كان كريما جوادا ممدحا ، له عقل جيد وفهم وافر وذهن صحيح .
وقد كان كثير التحجب والتوسع في النفقات ، وزاد في رسوم الخلافة وأمور الرياسة ، وما زاد شيء إلا نقص .
كان في داره أحد عشر ألف خادم خصي ، غير الصقالبة والروم والسودان ، وكان له دار يقال لها : دار الشجرة ، فيها من الأثاث والأمتعة شيء كثير جدا ، كما ذكرنا ذلك في سنة خمس وثلاثمائة حين قدم رسول ملك
الروم . وقد ركب
المقتدر يوما في حراقة ، وجعل يستعجل الطعام فأبطئوا به ، فقال لملاح حراقته : ويلك ! أعندك شيء نأكله ؟ قال : نعم . فأتاه بشيء من لحم الجدي وخبز حسن وملوحات وغير ذلك ، فأعجبه ، ثم استدعاه ، فقال : هل عندك شيء من الحلواء ; فإني لا أحس بالشبع حتى آكل شيئا من الحلواء ؟ فقال : يا أمير المؤمنين إنما حلاوتنا التمر والكسب . فقال : هذا شيء لا أطيقه . ثم جيء بطعامه ، فأكل منه وأتي بالحلواء ، فأكل وأطعم الملاحين ، وأمر بترتيب حلاوة تعمل في كل يوم تكون في الحراقة بنحو مائتي درهم ، إذا اتفق ركوبه فيها يأكل منها ، فكان الملاح يأخذ ذلك في كل يوم مدة سنين متعددة ، ولم يتفق ركوب
المقتدر فيها مرة أخرى .
وقد أراد بعض خواصه أن يطهر ولده ، فعمل أشياء هائلة ، ثم طلب من أم
[ ص: 62 ] الخليفة أن يعار القرية التي عملت في طهور
المقتدر من فضة ; ليراها الناس في هذا المهم ، فتلطفت
أم المقتدر عنده حتى أطلقها له بالكلية ، وكانت صفة قرية من القرى كلها من فضة ، بيوتها ، وأهاليها ، وأبقارها ، وأغنامها ، وجمالها ، وخيولها ، وزروعها ، وثمارها ، وأنهارها ، وما يتبع ذلك مما يكون في القرى ، الجميع من فضة مصور ، وأمر بنقل سماطه إلى دار هذا الرجل ، وأن لا يكلف شيئا من المطاعم سوى سمك طري فاشترى الرجل بثلاثمائة دينار سمكا ، وكان جملة ما أنفق الرجل على سماط
المقتدر يومئذ ألفا وخمسمائة دينار .
وكان كثير الصدقة والإحسان إلى أهل الحرمين وأرباب الوظائف ، وكان كثير التنفل بالصلاة والصوم والعبادة ، ولكنه كان مؤثرا لشهواته ، مطيعا لحظياته ، كثير التلون والولاية والعزل ، وما زال ذلك دأبه حتى كان هلاكه على يدي
مؤنس الخادم كما ذكرنا ، فقتل عند باب الشماسية لليلتين بقيتا من شوال من هذه السنة - أعني سنة عشرين وثلاثمائة - وله من العمر ثمان وثلاثون سنة وشهر وخمسة أيام ، وكانت مدة خلافته أربعا وعشرين سنة وأحد عشر شهرا وأربعة عشر يوما ، فكان أكثر مدة ممن تقدمه من الخلفاء .