ذكر خلع القاهر وسمل عينيه
وكان سبب ذلك أن الوزير
أبا علي بن مقلة كان قد هرب من
القاهر حين قبض على
مؤنس الخادم ، واختفى في داره ، وكان يراسل الجند ويكاتبهم ويغريهم
بالقاهر ، ويخوفهم سطوته وإقدامه وسرعة بطشه ، وأخبرهم أن
القاهر قد أعد لأكابر الأمراء أماكن يسجنهم فيها ، فهيجهم ذلك ، وأشبهم على القبض على
القاهر ، فاجتمعوا ، وأجمعوا رأيهم على مناجزته في هذه الساعة ، وركبوا مع الأمير المعروف
بسيما ، وقصدوا دار الخلافة فأحاطوا بها ، ثم هجموا على
القاهر من سائر أبوابها ، فخرج الوزير
الخصيبي مستترا في زي امرأة ، وانهزم
القاهر وهو مخمور ، فاختفى في سطح حمام ، فظهروا عليه فقبضوه وحبسوه في مكان
طريف السبكري ، وأخرجوا
طريفا ، واضطربت
بغداد ونهبت ، وذلك يوم
[ ص: 80 ] السبت لثلاث خلون من جمادى الأولى من هذه السنة ، ثم أحضروه ، فسملوا عينيه حتى سالتا على خديه ، وارتكب منه أمر عظيم لم يسمع بمثله في الإسلام ، ثم أرسلوه ، فكان تارة يحبس ، وتارة يخلى سبيله ، وقد تأخر موته إلى سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة ، وافتقر حتى قام يوما
بجامع المنصور ، فسأل فأعطاه رجل خمسمائة درهم ، ويقال : إنه إنما أراد بهذا الصنيع التشنيع على
المستكفي بالله فالله أعلم . وستأتي ترجمته إذا ذكرنا وفاته .